بحسب الأرقام الرسمية، تقدر أعداد مرضى الفشل الكلوي في المملكة بما يزيد على 15 ألف مريض، بنسبة زيادة سنوية تقارب «7.2 %»، وتبلغ نسبة الإصابة بأمراض الكلى المزمنة بين «6 – 8 %» من عدد السكان، أما على المستوى العالمي فإن معدل الإصابة بأمراض الكلى المزمنة تقارب «14.2 %» من عدد السكان أي ما يتجاوز «600» مليون نسمة.
وفي هذا الوقت من كل عام يتكرر السؤال عن مدى إمكانية صيام مريض القصور الكلوى من عدمها وهل للصيام تأثير سيئ على عمل الكلية، ومن ثم حدوث الانتكاسة في حالة المريض الصحية؟
وكقاعدة عامة لا بد لمريض الكلى من استشارة الطبيب المختص قبل الشروع في الصوم، وذلك لتنظيم جرعات الدواء الموصوفة له ومعرفة إذا لم تكن هناك خطورة تحول دون أدائه فريضة الصوم.
ومن المناسب قبل الحديث عن تقرير الصوم من عدمه من الناحية الطبية لهذه الفئة أن نوضح أن مرضى الكلى يصنفون إلى أربعة أقسام بحسب درجة المرض حرصاً على سلامتهم من حدوث مضاعفات.
المجموعة الأولى: مرضى القصور الكلوي الحاد.
المجموعة الثانية: مرضى القصور الكلوي المزمن.
المجموعة الثالثة: مرضى الغسيل الكلوي.
المجموعة الرابعة: مرضى زراعة الكلى.
بالنسبة للمجموعة الأولى وهم مرضى القصور الكلوي الحاد تكون حالتهم الصحية حرجة، وهم ممنوعون من الصيام إلى أن تتحسن حالة الكلى وتعود إلى وضعها الطبيعي.
أما بالنسبة للمجموعة الثانية وهم مرضى القصور الكلوي المزمن:
فقد يتسبب الصوم – نتيجة لنقص السوائل والأملاح – في تدهور حالة القصور المزمن خصوصاً في حالات التهابات الكلى المزمنة، والتكيس الكلوي، وهو ما قد يؤدي إلى جفاف واختلال في وظائف الكلى والجسم.
ولذلك من الضرورة بمكان لمريض القصور الكلوي أن يقوم بمراجعة الطبيب المتابع لحالته لأخذ النصيحة الطبية حسب حالته المرضية قبل الشروع في صوم رمضان.
أما بالنسبة للمجموعة الثالثة وهم مرضى الغسيل الكلوي:
فيمكنهم الصوم من الناحية الطبية، طالما كانت القيم الأساسية تحت السيطرة على أن يفطروا في الأيام التي يتلقون فيها جلسات الغسيل، إذا كانت هذه الجلسات تقع في أثناء النهار، حيث إن عملية الغسيل الدموي يصاحبها إعطاء محاليل عن طريق الوريد مما يفسد الصيام.
وبالنسبة لمرضى الغسيل البريتوني (غسيل البطن) والتي يقوم بها المريض بنفسه في المنزل فلا يمكنهم الصيام لوجود مواد مغذية بسوائل الغسيل.
وبالنسبة لمرضى الغسيل الدموي فى حالة صيامهم يجب عليهم الحذر من كمية الماء التى يتناولونها بعد الإفطار بحيث لا تزيد عن لتر واحد يومياً حتى لا تتجمع المياه داخل الجسم على القلب والرئتين، ولكن مرضى الغسيل البريتوني فمن الممكن أن يتناولوا لترين من الماء يومياً على حسب كمية السوائل التى تخرج مع المحلول المستخدم في عملية الغسيل.
وأورد هنا فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة بشأن غسيل الكلى: (إن غسيل الكلى عبارة عن إخراج دم المريض إلى آلة (كلية صناعية) تتولى تنقيته ثم إعادته إلى الجسم بعد ذلك، وأنه يتم إضافة بعض المواد الكيميائية والغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم، وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء والوقوف على حقيقة الغسيل الكلوي بواسطة أهل الخبرة أفتت اللجنة بأن الغسيل المذكور للكلى يفسد الصيام).
المجموعة الرابعة وهم المرضى الذين أجريت لهم عملية زراعة الكلى:
فيمكن لمريض زراعة الكلى أن يصوم بعد مرور عام من زراعة الكلى له إذا كان الجسم قد توافق مع الكلية المزروعة بشكل جيد، وعليه فإن المريض يمكنه تناول مثبطات المناعة اللازمة مثل عقار السيكلوسبورين الذي يؤخذ عادة كل 12 ساعة، بعد الإفطار وعند السحور مع ضرورة المتابعة اللصيقة مع الطبيب المعالج. أما بالنسبة لمرضى زراعة الكلى الذين لم تستقر حالتهم، فقد يؤدي الصيام إلى تأثيرات ضارة على الكلى المزروعة والجسم، لذلك يجب مراجعة الطبيب المعالج لهم قبل الشروع في صوم رمضان لتقرير مبدأ الصيام من عدمه.
ولضمان صيام آمن لمرضى الكلى؛ يجب الالتزام بأساليب التغذية السليمة لمرضى الكلى، فعلى مريض الكلى بشكل عام الحرص على تنوع طعامه اليومى وتوازنه وعدم إهمال وجبة السحور حتى لا يضعف جسمه. فمرضى الكلى بحاجة إلى سعرات حرارية أكثر من الأشخاص العاديين، ويجب الحرص على عدم ارتفاع الأملاح لديهم مع الإقلال من الأطعمة التى تحتوى على نسبة عالية من الصوديوم والبوتاسيوم والفوسفور خاصة خلال رمضان؛ فالصوديوم موجود بنسبة كبيرة فى ملح الطعام، والبوتاسيوم فى بعض الخضروات مثل (الطماطم، البطاطس، البامية، وجميع الأوراق الخضراء) وبعض الفواكه مثل (الموز، البرتقال، المانجو، التمر، المشمش، الخوخ والشمام)، أما الفوسفور فيوجد فى البقوليات، والمشروبات الغازية، والمكسرات والحليب ومشتقاته، ويجب على المرضى الذين يتناولون الحبوب التى تعمل على تخفيض مستوى الفوسفور بالدم أخذها أثناء الوجبة وليس قبلها أو بعدها.
ولكل مرض من أمراض الكلى أسلوب التغذية الخاص به خلال رمضان، فمرضى القصور الكلوي فى مرحلة ما قبل الغسيل إذا سمح الطبيب المعالج لهم بالصيام فعليهم التقليل من تناول الأغذية الغنية بالبروتينات؛ حيث يسبب الإسراف في تناولها جهداً زائداً على الكلية وتؤدى إلى فشل الكلية نهائياً، كما يؤدي إلى زيادة المواد السامة الناتجة عن هضم البروتينات (اليوريا) بالجسم، على عكس مرضى الغسيل الكلوي فهم بحاجة إلى زيادة البروتينات خاصة الحيوانية، فعند عملية الغسيل تخرج بعض البروتينات الأساسية التي يجب تعويضها بالأغذية.
ويتعين على المريض تناول سوائل طبيعية فى مرحلة ما قبل الغسيل الكلوي من 2 إلى 3 لترات يومياً إذا كانت كمية البول لديه طبيعية، أما إذا كان البول لديه أقل من المعدل الطبيعى فعليه تقليل كمية السوائل منعاً لاحتباس المزيد من السوائل في جسمه مما يؤدي إلى حدوث مضاعفات على القلب والرئتين.
ويتعين على مرضى الكلى بشكل عام عدم التعرض لدرجات الحرارة العالية أثناء الصيام، وتجنب تناول الأطعمة المالحة، واستخدام كأس لشرب الماء حتى لا تزيد كمية السوائل عن المطلوب، كما يجب التقليل من تناول الحلويات مع الحرص على تناول الأطعمة قليلة الدهون؛ فمرضى الكلى لديهم فرصة أكبر للإصابة بأمراض القلب والشرايين.
تقبل الله من الجميع صيامهم وقيامهم.
أ.د. صالح بن صالح