عندما يحلم زوجان بتأسيس عائلة، وتتأخر الأبوة، قد يبدأ القلق يتسلل. وفي أحيان كثيرة، يكون الرجل هو محور هذا القلق. العقم عند الرجال مشكلة صحية صامتة غالبًا، لا تظهر أعراضها الواضحة إلا بعد محاولات حمل متكررة دون جدوى. من المهم أن نعي أن العقم لا يقلل أبدًا من رجولة الرجل أو قدرته على المعاشرة؛ بل هو مجرد مؤشر على وجود اضطراب عضوي أو هرموني يحتاج إلى تقييم دقيق وعلاج متخصص.
هنا، نستعرض لك أهم العلامات التي قد تشير إلى وجود عقم لدى الرجل، والتي تستدعي استشارة طبيب متخصص في الذكورة أو علاج تأخر الإنجاب. معرفة هذه العلامات هي الخطوة الأولى نحو الفهم والعلاج.
- تأخر الحمل: متى يدق جرس الإنذار؟
هذه هي العلامة الأكثر وضوحًا وقوة. إذا مرّ عام كامل من الزواج دون حدوث حمل، مع ممارسة العلاقة الزوجية بانتظام ودون استخدام أي وسيلة لمنع الحمل، فهذا هو الوقت المناسب لتقييم شامل للزوجين. عادة ما تكون البداية بتحليل بسيط للرجل: تحليل السائل المنوي.
- ضعف الرغبة الجنسية: هل هي مجرد تعب أم شيء آخر؟
الرغبة الجنسية لدى الرجل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمستويات هرمون التستوستيرون، وهو هرمون الذكورة الأساسي. إذا لاحظت تراجعًا مستمرًا وملاحظًا في رغبتك في المعاشرة، فقد لا يكون الأمر مجرد إرهاق. قد تكون هذه إشارة إلى اضطراب هرموني، مثل انخفاض التستوستيرون، والذي يؤثر بدوره على إنتاج الحيوانات المنوية وجودتها.
- صعوبات في الأداء الجنسي: الانتصاب والقذف
مشاكل مثل ضعف الانتصاب، أو القذف المبكر جدًا، أو حتى عدم القذف نهائيًا، قد تكون مؤشرات على وجود خلل يؤثر على القدرة الإنجابية. في بعض الحالات، تكون هذه المشكلات ذات منشأ نفسي بحت، كالقلق والتوتر. لكن في حالات أخرى، قد ترتبط بأمراض عضوية كامنة مثل السكري، اضطرابات الأعصاب، أو مشاكل في الجهاز التناسلي نفسه.
- آلام أو تورم في الخصيتين: علامة جسدية واضحة
إذا شعرت بألم متكرر، أو لاحظت انتفاخًا أو تورمًا في كيس الصفن (الخصيتين)، فلا تتجاهل هذه العلامات. قد تكون ناتجة عن دوالي الخصية (توسع الأوردة حول الخصية)، أو التهابات مزمنة، أو حتى انسداد في قنوات نقل الحيوانات المنوية. هذه الحالات شائعة بين أسباب العقم ويمكن علاج الكثير منها جراحيًا أو دوائيًا.
- صغر حجم الخصيتين أو تغيّر شكلهما: مؤشر على التطور
الخصيتان هما المصنع الرئيسي للحيوانات المنوية وهرمون التستوستيرون. إذا كانت الخصيتان صغيرتين بشكل ملحوظ، أو غير مكتملتي النمو، أو لاحظت ضمورًا تدريجيًا فيهما، فقد يكون ذلك مؤشرًا على مشكلة في إنتاج الحيوانات المنوية. هذه الملاحظة قد ترتبط بحالات وراثية مثل متلازمة كلاينفلتر أو خلل وظيفي مزمن في الخصيتين.
- غياب الحيوانات المنوية في التحليل: صدمة لا تعني نهاية الأمل
عند الشك في العقم، يكون تحليل السائل المنوي هو الفحص الأول. في بعض الأحيان، قد تكون النتيجة صادمة: عدم وجود أي حيوان منوي (Azoospermia). لا تدع هذه النتيجة تحبطك؛ فغياب الحيوانات المنوية لا يعني بالضرورة نهاية الأمل. قد تكون المشكلة بسيطة مثل انسداد في القنوات التي تنقل الحيوانات المنوية، أو خلل في عملية الإنتاج نفسها. لكل حالة مسار علاجي خاص يمكن أن يقدم حلولًا مبتكرة.
- مشاكل في العلاقة الجنسية أو عدم الشعور بالإشباع: تأثير غير مباشر
إذا كنت تعاني من مشكلات مستمرة في الأداء الجنسي، أو شعور بعدم الرضا أو الإشباع بعد العلاقة، فقد يرتبط ذلك باضطرابات في الأعصاب أو الهرمونات. هذه المشاكل، وإن لم تكن سببًا مباشرًا للعقم دائمًا، إلا أنها قد تؤثر بشكل غير مباشر على تكرار العلاقة وجودتها، مما يؤثر على فرص الإنجاب.
- وجود تاريخ جراحي في منطقة الخصيتين أو البطن: عامل خطر محتمل
الرجال الذين خضعوا لجراحات سابقة في منطقة الفخذ، الخصيتين، أو البطن (خاصة في مرحلة الطفولة، مثل جراحة الفتق أو الخصية المعلقة التي لم تنزل إلى مكانها الطبيعي)، قد يكونون أكثر عرضة لمواجهة مشكلات في الخصوبة. يعتمد ذلك على توقيت الجراحة ومدى تعقيدها.
- مشكلات هرمونية مصاحبة: إشارات من جسدك
هل تلاحظ علامات مثل تساقط الشعر الشديد، أو نمو ملحوظ في الثديين (تثدّي الرجل)، أو ضعف غير مبرر في الكتلة العضلية؟ هذه قد تكون إشارات جسدية على وجود اضطراب في إفراز الهرمونات الجنسية الذكرية. تتطلب هذه الأعراض إجراء تحاليل هرمونية دقيقة لتقييم وظائف الغدد الصماء، مثل الغدة النخامية والخصيتين.
- تاريخ مرضي مزمن يؤثر على الخصوبة: الصورة الأكبر
بعض الأمراض المزمنة والعلاجات يمكن أن تؤثر بشكل كبير على إنتاج الحيوانات المنوية وجودتها. من هذه الأمراض:
- السكري
- الفشل الكلوي المزمن
- اضطرابات الغدة الدرقية
- التليف الكيسي
- التعرض السابق للإشعاع أو العلاج الكيميائي (لعلاج السرطان).
- استخدام بعض الأدوية المزمنة مثل أدوية علاج الصرع أو بعض مضادات الاكتئاب.
هل العقم عند الرجال دائم؟ ليس بالضرورة!
من الضروري التأكيد على أن العقم عند الرجال ليس دائمًا حالة لا رجعة فيها. كثير من حالات العقم لديها حلول فعالة، سواء كانت عبر:
- الأدوية: لعلاج الالتهابات أو اضطرابات الهرمونات.
- الجراحة: لتصحيح دوالي الخصية أو فتح الانسدادات.
- تقنيات الإنجاب المساعدة: مثل الحقن المجهري، أو استخراج الحيوانات المنوية من الخصية (TESE / microTESE)، والتي قدمت الأمل لآلاف الأزواج.
المفتاح هو التشخيص المبكر والدقيق، فكلما تم تحديد السبب مبكرًا، زادت فرص العلاج الفعال.
متى يجب زيارة الطبيب؟ لا تتردد في طلب المساعدة
إذا مرّ عام على زواجك دون حمل، أو إذا لاحظت أيًا من العلامات المذكورة أعلاه، فلا تتردد لحظة في طلب المشورة الطبية. الوقت عامل مهم في علاج الخصوبة، وكلما تم التحرك مبكرًا، تحسنت فرص الإنجاب.
تذكر دائمًا: عقم الرجال ليس وصمة أو عيبًا؛ بل هو حالة طبية مثل أي حالة أخرى، قابلة للفحص والتشخيص والعلاج. مع تقدم الطب ووسائل التشخيص المتطورة اليوم، أصبح من الممكن تحديد الأسباب بدقة ووضع خطة علاجية مناسبة تعيد الأمل لكثير من الأزواج في تحقيق حلم الأبوة.