استكمالا لحديثنا في العدد السابق حول اكثر انواع سلس البول شيوعا وبعد الحديث عن سلس البول الالحاحي، نتطرق اليوم بعون الله للحديث عن النوع الثاني شيوعا وهو سلس البول الاجهادي (stress urinary incontinence).
وفي مستهل الحديث عن سلس البول يجدر بنا الاشارة الى شيوع المشكلة خاصة في وسط النساء حيث أظهرت إحصائية أعدتها الجمعية الأمريكية لطب المسالك البولية أن نصف النساء يعانين مرض السلس البولي (عدم التحكم في البول) في مرحلة ما من العمر، وأن واحدة فقط من كل خمس من المصابات بهذا المرض تراجع الطبيب. واشارت بعض الدراسات أن الاصابة في السعودية تصل الى 30% بعد الولادة في عمر 25 إلى 45 سنة وهي حالة قد تستمر الى 6 اسابيع بعد الولادة قبل تحسنها، وتصل نسبة الاصابة في السعودية بعد سن اليأس الى 15%. وهنا يجب التأكيد على أن سلس البول ليس من الآثار الجانبية الحتمية للشيخوخة وأنه يمكن علاجه بسهولة، شرط أن نطرد من الأذهان أن هذا المرض شيء مروع ومحرج وبالتالي الافتراض الخاطئ أن يظل المرض في طي الكتمان.
تقوم عضلات الحوض والأغشية المبطنة له بعمل الحاجز المانع الذي يقوم بمنع المثانة ومجرى البول من التحرك والهبوط لأسفل أثناء زيادة الضغط على البطن
وقد أشارت العديد من الدراسات الطبية التي أجريت حول ذلك المرض إلى أن التمرينات الرياضية وتدريب المثانة يفيد في الحد من السلس، وقد تبين أن 80% من حالات الإصابة بالسلس – سواء أكانت وراثية أم نتيجة الإصابة بمرض أو بعد إجراء جراحة – قابلة للعلاج، ولكن ملايين المصابين يخشون الذهاب إلى الطبيب لشعورهم بالحرج أو لاعتقادهم أنه مرض لا شفاء منه!
في حالة سلس البول الاجهادي
وهو الشكل الأكثر شيوعاً في حالات سلس البول عند النساء، يتم فقد مقادير ضئيلة الى متوسطة من البول من غير قصد كلما جرى حدوث ضغط فجائي على المثانة من خلال السعال او الضحك او القفز او العطاس او حتى في حالات تغيير الوضع فجأة مثل القيام في حال الجلوس. ويعزى حدوث السلس في مثل هذه الحالات ذلك الى ضعف عضلات الحوض الناجم ربما عن ولادة مهبلية متعسرة او متكررة او سمنة زائدة او جراحة في الحوض او ناتج عن نقص الهرمونات بعد سن اليأس. حيث تقوم عضلات الحوض والأغشية المبطنة له بعمل الحاجز المانع (Hammock) الذي يقوم بمنع المثانة ومجرى البول من التحرك والهبوط لأسفل اثناء زيادة الضغط على البطن مثل الحالات السابقة اعلاه وعند حدوث ضعف في هذا الحاجز تتحرك المثانة ومجرى البول الى اسفل ليتيح الفرصة لمجرى البول لينفتح جزيئا محدثا تسربا للبول من المثانة للخارج.
معرفة الداء لتحديد الدواء:
تكمن اهمية مراجعة طبيب المسالك البولية للقيام بأخذ التاريخ المرضى والتأكد من كمية السلس وتحديد نوعه، وهنا تكمن اهمية التفريق بين انواع السلس البولي لتحديد العلاج المناسب فما يوصف لنوع لا يعطى لآخر. كما يجب معرفة سبب السلس واستبعاد اسباب ثانوية مثل الادوية او الاصابة بالسكري او وجود التهابات بولية يجب علاجها قبل البدء بعلاج خاص بناء على نوع السلس البولي.
اولا- العلاج التحفظي:
1– العلاج السلوكي: ويعد النوع الأبسط، ويعتمد بشكل كبير على تعاون المريض، ويحتاج الى فترة زمنية طويلة لتظهر نتائجه الفعالة ومن مقومات هذا العلاج توعية المريض بوظائف المثانة البولية وطريقة عملها. وتدوين مستمر لعمليات التبول يشمل التوقيت والكميات. وينصح المريض هنا بالاعتدال في شرب السوائل والابتعاد عن مشروبات الكافيين كالشاي والقهوة والمشروبات الغازية، كما ينصح بعلاج الامساك وعدم حبس البول وتقليل الوزن. وهذا العلاج ناجح بنسبة 50% ويستخدم عادة منفرداً في الحالات البسيطة وتضاف إليه العلاجات الأخرى في الحالات الأصعب.
2- التمارين الرياضية: ومن اهمها تمارين كيجل لتقوية عضلات قاع الحوض. وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها في حوالي 70% الى 80% من النساء في الحالات المبكرة للسلس. وتشمل هذه التمارين ثمانية مستويات يتدرج المريض من المستوى الأول إلى الثامن حسب قوة العضلات وتحسنها. ويتم ذلك بأداء التمارين يومياً من دون انقطاع. ومن الامثلة على مثل هذه التمارين:
ا – قبض عضلات الحوض، مع استرخاء عضلات البطن.
ب – ربط شريط مطاطي حول الفخذين، ثم دفع الفخذين للخارج عكس المطاط ومن ثم قبض عضلات أسفل الحوض في نفس الوقت.
ج – ثني الركبتين من وضع الوقوف ومن ثم قبض عضلات أسفل الحوض لأعلى.
د – قبض عضلات أسفل البطن وأسفل الحوض في أن واحد وذلك اثناء وضع الجلوس.
3- التنبيه الكهربائي: هذا الجهاز يستخدم لتنبيه العصب المغذي لعضلات الحوض. يوضع القطب الكهربائي في المهبل حيث تكون قوة الذبذبات وكثافتها أقل من مستوى الألم وينتج عنه انقباض العضلات ثم يتبعها فترة راحة مدة 5- 10 ثوان ثم يتكرر الانقباض والراحة مرة اخرى لمدة نصف ساعة يوميا.
4- العلاج بالمجال المغناطيسي: وهو يعمل على قبض عضلات الحوض وتقويتها من دون ألم وتتراوح نسبة الاستجابة فيه بين 70-80%.
5– جهاز التغذية الرجعية: وهو جهاز لقراءة انقباض العضلات اليكترونيا باستخدام جساس داخلي في فتحة المهبل او الشرج فعندما تنقبض العضلات تعطي إشارات تترجم الى اشارات سمعية أو نظرية يمكن للمريض تعلمها، وهنا يستطيع المريض تمييز عضلات الحوض الضعيفة والتي بدورها تحتاج الى تقوية فيتم التركيز عليها. وتتواجد اجهزة صغيرة يمكن استخدامها في المنزل.
ثانيا: العلاج الدوائي:
1- مرهم الاستروجين وهو علاج موضع خلاف في فعاليته ويدهن موضعيا لتحسين الدورة الدموية والنسيج المكون للمهبل ويفيد النساء اللاتي يعانين من السلس الاجهادي بعد سن اليأس.
2- الديلوكسيتين وهو بالاساس دواء مضاد للاكتئاب، ويقوم بزيادة معدلات السيروتونين والنورابينفرين في الجسم.
وحسب الابحاث التي اجريت بشأن هذا الدواء، فقد ثبت انه فعال وآمن بشكل كبير. هذه الابحاث شملت اعدادا كبيرة من النساء من مختلف الجنسيات والاعمار، وقد انتهت الى ان المرضى الذين اخذوا الديلوكسيتين من 3 الى 36 اسبوعا قد خف عندهم السلس الى اكثر من النصف وقد حسن من مستويات جودة الحياة عندهم. تجدر الاشارة الى ان اهم مضاعفات هذا العلاج هو حدوث الغثيان الذي دفع 15% من المرضى الى التوقف عن العلاج.
ثالثا: العلاج الجراحي:
ويتم عن طريق عدة عمليات تجرى عن طريق البطن او المهبل لتقوية الدعم الخلفي لجدار وعنق المثانة ومجرى البول لتعويض ضعف عضلات الحوض بتركيب انسجة من المريض نفسه او مستخرجة من انسجة حية اخرى او من مواد مصنعة وهذه عمليات يوم واحد تجرى للمريضة لتخرج في اليوم التالي من المستشفى ونسبة نجاحها تتجاوز 90%، وسنفرد لها صفحة مستقلة في عيادات صحفية قادمة ان شاء الله.
أ.د. صالح بن صالح