هل يؤدي استخدام أدوية حموضة المعدة إلى الفشل الكلوي؟

*وردنا العديد من الاستفسارات خلال الفترة الماضية عن ما تم تداوله من رسائل عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي تحذر من ادوية حموضة المعدة وبالأخص دواء إيزوميبرازول وتشير إلى إنها تسبب الفشل الكلوي، مستفسرين عن صحة هذا الإدعاء من الناحية العلمية؟

وفي البداية أشير الى ان الإنسان تعامل مع مشكلات حموضة المعدة بأساليب متعددة، موثوقة وغير موثوقة. ولكن لم تظهر أدوية لعلاج هذه الحالة حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي مع طرح عقار سيميتيدين (Cimetidine) الذي كان يستهدف إنتاج حمض المعدة بالذات. وقد حقق هذا العلاج رواجا هائلا، ثم تبعته أدوية من نفس الصنف التي تعرف بأدوية محصرات إتش 2 أو محصرات المستقبلات الهيستامينية (H2 blockers)ومنها فاموتيدين ورانيتيدين.

وحاليا تقدمت أدوية أخرى متصدرة على محصرات إتش 2، وهي من صنف أدوية مثبطات مضخة البروتون (Proton Pump Inhibitors – PPI) ، وهي التي أصبحت أكثر الأدوية التي يصفها الأطباء لمشاكل المعدة والمرئ التي يمكن علاجها – أو تخفيفها على الأقل – بخفض مستويات الحمض الأسيدي في المعدة.

  • وهنا فإن إيزوميبرازول هو عقار ينتمي إلى عائلة مثبطات مضخة البروتون (Proton-pump inhibitors)، وهي كما أشرت أدوية تقلل إفراز الحمض (الأسيد) من بطانة المعدة.

وتستخدم مثبطات مضخة البروتون لعلاج عدة حالات مثل: الحرقة المعدية، والارتجاع المعوي المريئي، وقرحة المعدة والأمعاء، وعلاج الضرر في الجزء السفلي من المريء الناجم عن ارتجاع حمض المعدة.

كما أن لعقار إيزوميبرازول استخدامات أخرى تشمل أيضا – وفقا للمكتبة الوطنية للصحة في الولايات المتحدة – تقليل احتمالية حدوث القرحة لدى من يتعاطون مضادات الالتهاب غير السترويدية بشكل مستمر مثل الأسبرين والفولتارين، وعلاج الحالات التي تنتج فيها المعدة كمية كبيرة من الحمض مثل متلازمة زولينقر إيليسون (Zollinger-Ellison syndrome).

اما بالنسبة الى المخاطر على المدى البعيد، فإنه وفقاً للمكتبة الوطنية الأميريكية فإن من يتعاطون مثبطات مضخة البروتون قد يكونون أكثر عرضة لمخاطر كسور الفخذ والفقرات والرسغ، وهذا الأمر يرتبط بمن يتناولون جرعات عالية أو يتناولون العلاج لمدة عام أو أكثر بشكل مستمر. ويعود سبب ذلك إلى أن مثبطات مضخة البروتون تؤثر على امتصاص الكالسيوم، وهو ما يفسر زيادة خطر الكسور.

ووفقا لجامعة هارفارد فإن مثبطات مضخة البروتون أيضا قد تزيد خطر الالتهاب الرئوي، وخطر الإصابة بعدوى بكتيريا (Clostridium difficile) في المستشفيات، والتي قد تقود لمضاعفات شديدة مثل الإسهال والتهاب القولون.

أما بالنسبة لتأثيرات هذه الأدوية السلبية على الكلى وهو الموضوع الأساس لهذا العدد من عيادة الرياض فقد أشارت دراسات سابقة الى احتماية حدوث التهاب نسيجي مؤقت في الكلى قد يؤدي الى حدوث فشل كلوي حاد عند استخدام مثل هذه الأدوية، كما انه وعلى صعيد آخر، فإن دراسة أجراها باحثون من جامعة جونز هوبكينز ونشرت في مجلة جاما للطب الباطني في فبراير 2016، أشارت إلى أن مثبطات مضخة البروتون ترتبط بزيادة مخاطر الإصابة بمرض الكلى المزمن. وأشارت الدراسة التي شملت متابعة أكثر من 10000 شخص لا يعانون من أمراض كلوية سابقة إلى أن الأشخاص الذين كانوا يداومون على استخدام مثل هذه الأدوية كانوا أكثر عرضة 1.5 مرة للإصابة بالفشل الكلوي المزمن مقارنة بالأشخاص الذين لم يستخدموا هذه العقاقير. وقد تم تأكيد نتائج هذه الدراسة بدراستين آخريين، أخرهما من جامعة سانت لويس الأميركية ونشرت في شهر فبراير من هذا العام.

وقد أشارت الدراسة الأولى إلى الحاجة للمزيد من الدراسات لمعرفة ما إذا كانت مثبطات مضخة البروتون هي بذاتها السبب في مشاكل الكلى ومن ثم التوصية حيال استخدامها، أو أن النتائج كانت بسبب اعتلالات أخرى مصاحبة تزامنت مع استخدام هذا العلاج. أي أنها لم تقل إن مثبطات مضخة البروتون تؤدي لفشل الكلى بحد ذاتها كما تزعم الرسائل التي تمّ تداولها على مواقع التواصل.

وفي نفس السياق أشارت الجمعية السعودية للجهاز الهضمي في توصيات المؤتمر الـ15 للجمعية الذي عقد مؤخرا في محافظة جدة على ضرورة صرف أدوية مثبطات البروتون لمعالجة الارتجاع المعدي تحت إشراف طبي.

وفي المحصلة فإن المعطيات الطبية المعتمدة حتى اللحظة لا تقول إن مثبطات مضخة البروتون تسبب الفشل الكلوي، وحتى اللحظة لا يوجد تحذيرات طبية من هيئات علمية رسمية حيال إيقاف استخدام مثل هذه الأدوية.

ومع ذلك يجب لفت الانتباه إلى أن النشرة المرفقة بعقار إيزوميبرازول، توضح أنه قد يكون للعقار تأثيرات على الكلى ولكنها نادرة جدا (قد تصيب واحدا من كل عشر آلاف)، وتؤكد النشرة أيضا على ضرورة استشارة الطبيب قبل تعاطي العلاج في عدة حالات، منها إذا كان الشخص يعاني من مشاكل حادة في الكلى.

لذلك فإنه من المنطقي ان تناول «مثبطات مضخة البروتون» أمر معقول عند وجود مشكلة حمض المعدة المزمنة، أو لدى توقع نشوئها. إلا أن الحالات العابرة لحرقة المعدة الخفيفة لا تحتاج إلى العلاج بهذه الأدوية، بل بالأدوية القديمة أو بأدوية من صنف «محصرات إتش 2».

أخيرا فإن النصيحة التي يمكن أن نوجهها لمتابعي هذه العيادة انه في حال كنت تتناول أدوية من مثبطات مضخة البروتون من دون وصفة طبية فيجب عليك أن تراجع الطبيب، إذ إن مثبطات مضخة البروتون التي ينتمي لها هذا العقار وعلى المدى البعيد قد تزيد من مخاطر حالات مرضية أخرى مثل هشاشة العظام وأمراض الكلى والكبد. كما انه في حال كان استخدامها لفترة طويلة فيجب مناقشة طبيبك المعالج عن آثارها الجانبية على صحتك وطرق الوقاية منها ومن ذلك تقليل الجرعة الموصوفة ومراجعة أي أدوية أخرى تستخدمها قد تزيد من أثاره الجانبية.

أ.د. صالح بن صالح

×