الخلايا الجذعية.. تقنية واعده تحتاج المزيد من الأبحاث

من أقدار الله سبحانه وتعالى وجود الملايين من الرجال المصابين بعقم مستعص متصاحب مع غياب كامل للحيوانات المنوية نتيجة ضمور كامل أو جزئي في الخصية مع تخاذل الإنطاف فيها، ومع أن هذه الحالات تعتبر من أشد حالات العقم صعوبة في العلاج أو قد تكون في نظر البعض مستحيلة العلاج إلا أن رحمة الله أوسع، وباب فضله لا ينقطع، وكمسلمين يجب ألا يفقد المرء رجاءه بخالقه، فكم من حالة كانت تعتبر من المستحيلات بالعرف الطبي أصبحت من الممكنات بفضل الله تعالى ثم بفضل التطور العلمي الذي مازال يدهشنا كل يوم بخطوة متقدمة كانت من النظريات المستحيلة في وقت سابق.

وعند الحديث عن العقم المستعصي عند الرجل نتيجة ضمور الخصية والذي يحدث في نحو 1 – 2 % من الأزواج، وبعد فشل العلاج بالوسائل المعروفة الدوائية والجراحية دائماً ما يبرز السؤال التالي: هل من أمل في الإنجاب؟ وهنا يردد الكثير من مراجعي عيادات العقم ذكر الخلايا الجذعية كبادرة أمل وعلاج مستقبلي لمثل هذه الحالات، وفي هذه العيادة الصحفية سيكون محور حديثنا عن ما تم إنجازه عالمياً في هذا المجال لعلاج العقم عند الرجال باستخدام الخلايا الجذعية. وبداية أحب أن أوضح أن مصطلح الخلايا الجذعية أو الخلايا الأساسية يطلق على نوع الخلايا التي تستطيع تكوين أي نوع آخر من الخلايا في جسم الإنسان، كالخلايا العصبية، وخلايا الكبد، وخلايا البنكرياس وغيرها، ولهذه الخلايا القدرة على الانقسام والتكاثر بالملايين، كما يمكن أن تكون خلايا جديدة بحسب المحيط الذي توجد فيه، مثال ذلك: لو زرعت هذه الخلايا في قلب مريض يمكن أن يشفى؛ وذلك بتكوين خلايا جديدة تقوم بعمل الخلايا التالفة فيه، وإن زرعت في الكبد المتليف فهي تجدد خلاياه المتليفة وتعيد له القدرة على القيام بوظيفته بشكل طبيعي كما كان سابقاً.

وبشكل عام فإن الأمراض التي يمكن علاجها باستخدام الخلايا الجذعية تنقسم إلى ثلاث فئات:

  • الفئة الأولى: أمراض تم علاجها بنجاح باستخدام الخلايا الجذعية، وأصبحت طريقة علاجها بالخلايا الجذعية مثبتة علمياً، وتم التأكد من نجاحها، وأفضل الأمثلة على ذلك بعض الأمراض السرطانية، وأمراض الدم الوراثية مثل الثلاسيميا وأمراض الخلل المناعي، وجميعها أمراض تعتمد طريقة علاجها على إعادة بناء أنسجة الجسم بعد تضررها.
  • الفئة الثانية: أمراض تم استخدام الخلايا الجذعية في علاجها خلال السنوات الماضية، وجاءت نتائج العلاج إيجابية، ولكنها لم تعتمد بعد كطريقة علاجية مثبتة علمياً، ومنها أمراض القلب والكبد والسكري والأمراض العصبية مثل الشلل والزهايمر.
  • الفئة الثالثة: وهي أمراض لا يزال علاجها باستخدام الخلايا الجذعية تحت الاختبار ونتائجه متفاوتة وغير مؤكدة، ومثال على هذه الأمراض فقدان البصر والعقم. ومن هذا المنطلق أجريت العديد من الدراسات حول فاعلية الخلايا الجذعية في علاج العقم عند الرجال، ففي العام 2006 م أثبت العلماء لأول مرة أنه بالإمكان استخدام حيوانات منوية تستزرع من خلايا جذعية للأجنة، في التناسل. وفي هذه الدراسة التي نشرت في دورية دراسة التطور الخلوي أخذ البروفيسور كريم نايرنيا وزملاؤه بجامعة جورج – أوجست بجوتينجن في ألمانيا، خلايا جذعية من جنين أحد الفئران كان عمره بضعة أيام فقط واستزرعوا تلك الخلايا في المعمل، وتمكن العلماء باستخدام معدات فرز خاصة من عزل بعض الخلايا الجذعية التي بدأت تتطور لتصبح حيوانات منوية ووفر العلماء الظروف المناسبة لتلك الخلايا الجذعية في مراحلها الأولى لتنمو وتصبح خلايا حيوانات منوية بالغة ثم قاموا بحقن بعضها في بويضات فئران، وقد نمت البويضات المخصبة، وتم زرعها بنجاح داخل رحم فأرة وولدت سبعة فئران، عاشت ستة منها حتى البلوغ غير أن الفئران التي أنتجت بهذه التقنية الجديدة ظهرت عليها أنماط نمو غير طبيعية، ومشكلات أخرى، مثل صعوبات في التنفس. وتبعت هذه الدراسة عدة دراسات عالمية منها ما تم إطلاقه من جامعة UCLA عن إنتاج حيامن من خلايا جذعية مستخلصة من نخاع العظم، والتي تم زرعها في خصية حيوانات تجارب تعاني من فشل الإنطاف والتي بدورها تمكنت من إنتاج حيوانات منوية، لكنها كانت غير مكتملة النمو، كما كشفت دراسة بحثية نشرت العام 2014 م في مجلة Cell Report قام بها علماء من معهد بيولوجيا الخلايا الجذعية والطب التجديدي في جامعة ستانفورد عن تقنية حديثة يمكن أن تجلب أملاً جديداً للرجال غير القادرين على إنتاج عدد كافٍ من الحيوانات المنوية لحدوث الحمل. وتعتمد التقنية على إنشاء خلايا للحيوانات المنوية من جلد الرجال الذين يعانون من خلل جيني في إنتاج الحيامن بعد عزل الخلايا الجذعية منها وإعادة زراعتها داخل خصية المريض، وتمكن الباحثون من إنتاج المراحل الأولية للحيامن بعد زراعة هذه الخلايا الجذعية المعزولة من جلد المريض داخل الخصية. وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها لتقديم نموذج تجريبي لدراسة تطوير الحيوانات المنوية عند البشر، كما توفر هذه التقنية أداة جديدة للباحثين لدراسة تطوير الحيوانات المنوية وعلاجات العقم عند الذكور، وتتيح إمكانية تطبيق العلاجات المستندة إلى الخلايا الجذعية لتوليد أعلى عدد من الحيوانات المنوية وبجودة عالية داخل العيادة، ومازالت الدراسات على قدم وساق لمعرفة الظروف المناسبة من درجة حرارة وتراكيز هرمونية مختلفة وعوامل دعم مساعدة أخرى حتى الحصول على حيوان منوي بالغ والذي بدوره يملك القدرة على إكمال تخصيب البويضة. ومع أن المبالغ المرصودة في أبحاث الخلايا الجذعية قد تفوق ميزانية بعض الدول، ومع وجود العديد من المختبرات العالمية والتي تتسابق للحصول على سبق في نتائج مثل هذه الأبحاث، ومع تزايد الطلب على مثل هذه التقنية لارتفاع معدلات العقم العالمية المسجلة عند الطرفين إلا أن التقدم فيها من ناحية التطبيقات البشرية مازال بطيئاً ومعقداً، وقد يعود ذلك إلى أننا مازلنا غير ملمين بكثير من تفاصيل تطور الخلية التناسلية البشرية، كما أن الكثير من مراحل نمو الحيوان المنوي من الخلية الأم إلى الحيوان المنوي البالغ والقادر على التخصيب مازالت غير معروفة، ويكتنفها الكثير من الغموض ليس فقط من الناحية البيولوجية، ولكن كذلك من ناحية الظروف المحيطة به البيئية والكيميائية.

أ.د. صالح بن صالح

×