مع الازدياد النسبي لحالات العقم وتأخر الانجاب عند الجنسين وصدور عدد من الدراسات الطبية التي تشير الى تضاؤل عدد وجودة الحيامن وبالتالي الخصوبة عند الرجال عالميا، زاد الاهتمام مؤخرا بنوعية واشكال الحيامن المستخدمة في عمليات الحقن المجهري واطفال الانابيب وركز كثير من التداخلات العلاجية الحديثة في علاج التشوهات في الحيوانات المنوية، ومن ضمن اهم الاسئلة التي ترد من قبل اصحاب الشأن هو، هل من الأفضل استعمال الحيوانات المنوية القليلة العدد والبطيئة الحركة والمشوهة الموجوده في السائل المنوي في عمليات الحقن المجهري، أم الافضل سحبها من الخصية لتلقيح البويضات لدى بعض الرجال المصابين بتاخر الانجاب؟
وهل هناك أي تأثير لتلك الحيوانات المنوية المشوهة في حال استخدامها في اطفال الأنابيب على الناحية التكوينية المستقبلية للاجنة ومن ثم الناحية الجسدية او العقلية عند هؤلاء الاطفال؟
وهل من الممكن تحديد التشوهات الجينية قبل التلقيح لتفادي حصول تشوهات خلقية وانطافية عند هؤلاء الأولاد؟
وهل لتقدم سن الرجل كما جاء في عدة دراسات تأثير سلبي في الإنطاف والاخصاب؟
أسئلة في غاية الأهمية قد تساعد على الإجابة عن تفسير تدني القدرة الاخصابية لدى المسنين من الرجال حيث تبين ان حوالي 30% منهم قد يعانون خللا كرموسوميا مع تكسر في الحمض النووي للحيوانات المنوية.
وقد أظهرت الاختبارات الحديثة أن تحديد القدرة الاخصابية عند الرجل التي تعتمد عادة على تحديد نسبة الحيوانات المنوية الطبيعية من تحليل السائل المنوي قد لا يكون صحيحاً، إذ قد يكون متشابهاً عند عدد من الرجال العقيمين والطبيعيين.
ومع التقدم التقني في الفهم وعلاج العقم عند الرجال اصبح العامل الجيني وتكسر الحمض النووي (DNA) داخل الحيوانات المنوية سببا يمكن ادراجه في نحو 30% أو أكثر من الأسباب المجهولة للعقم المذكر التي لا يمكن معرفتها رغم القيام بكل التحاليل المعتمد عليها حالياً، كما يعد العامل الجيني وكسر الحمض النووي كذلك احد أسباب الإجهاض المتكرر عند بعض النساء أثناء الحمل الطبيعي، او بعد تلقيح البويضات بالحيوانات المنوية وعدم قدرة بعض تلك الحيامن المنوية في الاخصاب رغم كثير من محاولات التلقيح.
ويمكن في الوقت الحاضر في بعض المراكز الانجابية المتخصصة القيام بتحاليل خاصة على الكروموسومات وعلى الحمض النووي والجينات التي قد تساعد على تشخيص الآفات الجينية وتحديد نسبة تكسر الحمض النووي قبل القيام بالتلقيح للتوصل الى أفضل النتائج بالنسبة الى حصول الحمل واستمراره مع الولادة الطبيعية وتفادي التشوهات عند الجنين باختيار افضل وأجود الحيوانات المنوية. من ناحية اخرى يتساءل كثير من الرجال حول الإجراءات التي يمكن تطبيقها لزيادة قدرتهم الإنجابية وحول تأثير نوع التغذية في جودة الحيوانات المنوية وزيادة تشوهاتها ونجاح الإخصاب.
فجواباً على تلك الأسئلة المهمة قام فريق طبي في جامعة روشستر في نيويورك باختبار حول تأثير نوع الغذاء على القدرة التناسلية، حيث اظهرت هذه الدراسة أن نحو 83% من الرجال العقيمين يفتقر غذاؤهم اليومي الى الفاكهة والخضار مع أقل من 5 وجبات غذائية في اليوم، مقارنة بحوالي 40% من الرجال الخصيبين لاسيما أن ذلك النوع من الغذاء مضاد لفرط التأكسد الذي يسبب ضرراً في الحمض النووي داخل الحيوانات المنوية ويؤثر سلباً في حركتها وقدرتها في إخصاب البويضات.
وفي مقارنة بين 48 رجلاً عقيما و10 رجال خصيبين، اتضح ان الاكثار من تناول الفيتامينات من نوع أ و ج والسيلينيوم والفاكهة والخضار في التغذية يحمي الحيوانات المنوية من زيادة التأكسد ويحسن جودتها، فضلاً عن أن زيادة تناول مادة كريبتوكسنتين وغلوتا ثايون مفيدة أيضاً للوقاية من تضرر الحمض النووي او الدي ان آى داخل الحيوانات المنوية وزيادة عددها وحركتها كما أبرزته دراسة اخرى قامت بها الدكتورة لويس التي قادت هذا الفريق الطبي.
التدخين يزيد من تشوهات الحيوانات المنوية
وبما ان الحديث هنا عن تشوهات الحيامن فمن المناسب التطرق لتأثير التدخين في خصوبة الرجل فقد أجريت عدة أبحاث على السائل المنوي لرجال مدخنين وغير مدخنين أثبتت التأثير العكسي للمواد السامة في التبغ على الحيوانات المنوية وبالتالي الخصوبة.
وأثبتت الدراسات أن التدخين يؤثر في عملية إنتاج الحيوانات المنوية والمقاسة بعدد الحيوانات المنوية في السائل المنوي، حيث وجد أن العدد لدى المدخنين أقل من غير المدخنين بما معدله 13 – 17 في المئة إلا أن هذا التناقص يمكن تفاديه في حال التوقف عن التدخين.
وعندما نركز الحديث على عدد الحيوانات المنوية فإننا لا نهدف فقط لرفع فرص الحمل بزيادة خصوبة الرجل وإنما كذلك تقليل فرص الإجهاضات والمشاكل المصاحبة للمواليد.
أما عن الأشكال الطبيعية في الحيوانات المنوية فإن نسبة الأشكال غير الطبيعية لدى المدخنين تفوق نظيرتها لدى غير المدخنين وخصوصا تشوهات الرأس هذا إلى جانب التأثير السلبي في تقدم الحيوانات المنوية وحركتها وقدرتها على اختراق البويضة، كما ان التدخين يزيد من احتمال تكسر الحمض النووي فيها.
واثبتت الدراسات زيادة في عدد الكريات الحمراء والبيضاء في السائل المنوي التي توحي بالتهابات القنوات التناسلية التي بدورها تؤثر في حركة الحيوانات المنوية في الأنابيب الناقلة.
كما ابرزت دراسات اخرى أيضاً ترابطاً بين عدد السجائر المدخنة يومياً ومدة التدخين والفشل الاخصابي إذ تبين أن زيادة العدد إلى أكثر من 19 سيجارة يومياً، ترافق مع نسبة عالية من فشل الاخصاب بمعدل نحو 82٪ مقارنة ب 29٪ للمدخنين الذين لم يتجاوزوا أكثر من 11 سيجارة يومياً.
واجابة عن التساؤلات التي وردت في مقدمة هذه العيادة الصحفية، فمن الثابت علميا ان الحيامن المشوهة تفقد عادة قدرتها على التخصيب وفي حال نجاح التخصيب فان البويضة الملقحة لا تكون عادة قادرة على الانغراس ومن ثم التكاثر وهو بدوره يؤدي الى الاجهاض المبكر للأجنة، لهذا فلا يوجد دليل علمي يسند التخوف من احتمالية ولادة طفل مشوه اذا استخدمت حيامن مشوهة اذ تنتهي بعدم الاخصاب او الاجهاض المبكر.
من ناحية اخرى ينصح كثير من اطباء الانجاب باستخدام حيامن مسحوبة من الخصية مباشرة وحقنها في البويضات في عمليات الحقن المجهري بدلا من استخدام حيامن ضعيفة او مشوهة في السائل المنوي خاصة بعد فشل عملية التخصيب في محاولتين سابقتين اذ ان نسبة التكسر في الحمض النووي والتشوهات في الحيامن المسحوبة مباشرة من الخصية تكون اقل ومن ثم فإن قدرتها التخصيبية تكون اعلى بإذن الله.
أ.د. صالح بن صالح