تمثّل صحة الرجل هاجساً للكثير من الأوساط الطبية والمختصين، وقد أدى تراجع العمر الافتراضي للرجل وارتفاع مستويات الإصابة بالسرطان بينهم والمشكلات الجنسية الشائعة إلى خلق حالة من القلق بين المختصين في صحة الرجل دفعت إلى دعوات لإيجاد حلول دولية للمشكلات الصحية المتعلقة بالرجل.
هذا المصطلح (صحة الرجل) ظهر كمبدأ علمي مستقل في التسعينات الميلادية، ومن أجله تأسس منتدى صحة الرجل في عام 1994 في المملكة المتحدة في الكلية الملكية للرعاية.
وعلى عكس المتوقع مع التقدم العلمي والتطور الطبي، إلا أن الإحصاءات تشير إلى أنه وفي كثير من الأحوال أن صحة الرجال ليست أفضل مما كان عليه الحال قبل 30 عاماً كما أن احتمال موت الرجال في حوادث سيارات يزيد ست مرات كما أن معدل الانتحار بين الرجال يعد أكبر بشكل كبير عن معدله بين النساء.
في المقابل، تمتاز حركات التوعية حول أمراض النساء بكثرتها وتنوعها حول العالم، وتوجد العديد من المؤسسات والجمعيات الصحية محلياً وإقليمياً ودولياً تعنى بجانب صحة المرأة، ولكن حين يتعلق الأمر بالرجل فإن هذه الحركات أقل بكثير. ولهذا كان من الأهمية بمكان القيام بحملات مماثلة وإنشاء جمعيات متخصصة تعنى بصحة لرجل. ومن أجل هذا الهدف تم مثلًا اختيار شهر نوفمبر من كل عام كشهر للرجال لكونه يأتي مباشرة بعد شهر أكتوبر الذي يخصص كل عام لحملات التوعية من سرطان الثدي عند النساء.
وفي نفس الإطار أنشئت العديد من الجمعيات العلمية عالمياً والتي تعنى وتهدف إلى رفع وتعزيز درجة الوعي بصحة الرجل، وتمكين الرجال من الإحاطة بما يجب أن يكون في هذا الجانب، والتحفيز كذلك على أهمية إدراك مشكلات الصحة الاستقلابية والإنجابية والجنسية مبكراً، وكذلك الكشف عن عوامل الخطورة المحيطة بالرجل بفعل الممارسات المعتادة يومياً. وتختص مثل هذه الجمعيات بالمواضيع التي تهم صحة الرجل بشكل مباشر ومنها التهاب البروستات والكشف المبكر عن سرطان البروستات، وسلس البول عند الكبار، وأمراض الخصية والضعف الجنسي المرتبط ببعض الأمراض المزمنة الاستقلابية مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكولسترول والدهون في الدم والتدخين. كما تعنى بالجانب النفسي عند الرجال البالغين.
وتضم هذه الجمعيات العلمية فريق عمل متكامل من الاستشاريين، والاختصاصيين من ذوي المؤهلات والخبرات التي تمكنهم من تقديم أفضل الخدمات للباحثين عن أفضل طرق الرعاية للرجال.
صحة الرجل السعودي بين الواقع والمأمول:
توجد أمراض لا تحدث إلا في الرجال وللأسف في الغالب لا يتم تشخيصها إلا بشكل متأخر لا يساعد على العلاج ومن هذه الأمراض سرطان البروستات والخصية.
وكمثال بسيط لأهمية التوعية والتثقيف الصحي للرجل على وجه الخصوص وللممارس الصحي العام، فإن أكثر حالات سرطان البروستات المشخصة في المملكة لا يتم اكتشافها إلا بشكل متأخر يمنع محاصرة المرض والقضاء عليه. ويحدث سرطان البروستات بتكون خلايا غير طبيعية في غدة البروستات والتي توجد أسفل المثانة وتحيط بالإحليل في مكان خروجه منها. هذه الخلايا تتضاعف كما هي حال أي خلايا سرطانية ولكن الصعوبة في التشخيص المبكر خلال المرحلة الأولى من المرض أن الأعراض المصاحبة له لا تكون ظاهرة حتى بداية انتشاره والتي تأخذ سنوات طويلة لحدوثها ولهذا يسميه البعض بالقاتل الصامت. كما أن العديد من الأعراض المصاحبة لهذا المرض مثل الصعوبة في التبول، أو خروج البول بشكل متقطع، بالإضافة إلى ظهور الدم في البول أو في السائل المنوي تتشابه مع اضطرابات بروستات أخرى مثل التضخم الحميد أو الالتهابات البكتيرية.
من ناحية أخرى تنتشر بعض الأمراض في الرجل أكثر من المرأة مثل أمراض القلب والتي تصيب الرجل في عمر مبكر مقارنة بالمرأة، ومثلها أمراض ارتفاع ضغط الدم والسكري والكوليستيرول، كما تزيد حالات الانتحار بين الرجال مقارنة بالنساء فالعالم يخسر رجلاً وحداً كل دقيقة، كما أن الاكتئاب عند الرجل مشكلة عالمية خصوصاً من ناحية رفض الحديث عن الأمر أو الحصول على علاج. والاكتئاب الذكوري مخفي وحتى أقرب المقربين من الشخص لا يعرفون أنه يعاني منه. فالرجل قد يعاني الاكتئاب من دون حزن مما يصعب من عملية تشخصيه. كما أن أعراض الاكتئاب عند الرجل تتنوع بين القلق، عدم الشعور بالراحة جسدياً، اضطرابات النوم، قلة النشاط وانعدام الثقة بالنفس بالإضافة إلى الغضب والتوتر الدائمين. كما أن هذه الأعراض قد تظهر على شكل آلام جسدية كالصداع، الألم العضلات وألم الظهر، وحتى عسر الهضم.
وفي المملكة تشير التقارير إلى إصابة حوالي 24 % من السكان بداء السكري ينتشر أكثرها بين الرجال الذين يصاب 86 % منهم بالضعف الجنسي وبمعدل انفاق على أدوية الضعف الجنسي تزيد على 4.6 مليون ريال للعام الفائت، كما يعاني 36 % من السكان من السمنة والتي يتوقع أن تصل إلى 41 % بحلول عام 2022 م، ويعاني كذلك 42 % من السكان من ارتفاع ضغط الدم. كما كشفت تقارير منظمة الصحة العالمية عام 2013 إلى أن هناك 6 ملايين مدخن في المملكة، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى 10 ملايين مدخن عام 2020، وأن المملكة تمثل المرتبة الرابعة عالمياَ بسبب استهلاك ما يزيد على 12 بليون ريال كل عام على السجائر. ومن الأدلة التي لا جدال فيها على ازدياد مخاطر التدخين على المستوى الإقليمي، ما أكدته كذلك منظمة الصحة العالمية للشرق الأوسط من أن التدخين بين الأطفال والمراهقين في الفئة العمرية 13-15 عاماً تجاوز نسبة 16 %، وأن منتجات التبغ تقتل نحو خمسة ملايين شخص كل عام في العالم بمعدل 13.3 ألفاً يومياً.. والأرقام في ازدياد مستمر.
أ.د. صالح بن صالح