حصوات الكلى وتزايد خطر الفشل الكلوي

حصوات الكلى مرض منتشر في جميع انحاء العالم

تمثل الكلية العضو الأساسي المسؤول عن تخليص الجسم من السموم والشوائب عن طريق تنقية الدم، وكذلك التخلص من الفضلات في البول، ومن اهم الاعتلالات الشائعة التي تصيب هذا العضو تكون الحصوات.

حصوات الكلى مرض منتشر في جميع انحاء العالم بنسبة متفاوتة ويسبب الآلام المبرحة والالتهابات البولية والبيلة الدموية ونادراً الفشل الكلوي. معظم اسباب تكون الحصوات الكلوية معروفة وتعود الى زيادة معدل بعض الكيماويات البولية مثل الكالسيوم والاوكسالات والفوسفات وحمض اليوريك والسيستين وغيرها بالاضافة الى نقص في المثبطات التي تمنع تكوين الحصوات كالسيترات والبيروفوسفات والنفروكلسين والاوستيوبونتين وبعض البروتينات البولية وغيرها. وهنالك عوامل أخرى تساهم في حدوث تلك الحالة المرضية ابرزها التقليل من شرب السوائل، والوراثة والطقس الحار وبعض امراض الجهاز الهضمي.

وحيث إن معظم تلك الحصيات مكونة من مواد الكالسيوم والاوكسالات او الفوسفات فسنركز مقالنا هذا على تلك الحصيات آملين ان نناقش الحصيات الأخرى في مقالات لاحقة. ولقد اثبتت عدة ابحاث ودراسات نسبة عالية لمعاودة تلك الحصيات المكونة من مادة الكالسيوم بعد مرورها التلقائي او معالجتها الدوائية او الجراحية بمعدل حوالي 50٪ في غضون 10 سنوات من تشخيصها مما قد يسبب مجدداً الوجع الشديد مع الغثيان والقيء والبيلة الدموية والالتهابات البولية واحتمال حصول فشل كلوي اذا ما حصل انسداد كامل او جزئي في الحالب او الكلية لمدة طويلة. وجميع تلك المشاكل تؤكد على اهمية تطبيق الوسائل الوقائية التي تساعد على منع معاودة تلك الحصيات في اكثر من 90٪ من تلك الحالات اذا ما طبقها المريض حسب الارشادات الطبية.

ففي حال الاصابة بأول حصاة كلوية او حالبية وبعد مرورها او تفتيتها وفي حال غياب اي عامل وراثي او امراض أخرى تقترن بحدوث الحصيات البولية خصوصاً عند الكهول من الرجال فلا تستدعي تلك الحالات عادة اجراء اختبارات مكثفة على البول اوعلى الدم وتقتصر التحاليل على معرفة معدل الكالسيوم والفوسفات وحمض اليوريك والكرياتينين وبعض الاملاح كالصوديوم والبوتاسيوم والكلوريد في الدم والتحليل المجهري ومزرعة البول. وينصح المريض او المريضة في الاكثار من شرب السوائل بكمية توازي حوالي 3 ليترات يومياً والتقليل من تناول الملح واللحوم الحمراء. واما في حال معاودة الحصيات او زيادة حجمها في الكلية او اذا ما اشتبه بوجود عوامل استقلابية للاصابة بها اومعاودتها فيستوجب ذلك القيام بتحاليل مكثفة على الدم والبول لكشف اسباب تكوينها وتطبيق معالجة وقائية لها قد تمنع معاودتها في اكثر من 90٪ من تلك الحالات. والجدير بالذكر انه من الضروري متابعة هؤلاء المرضى دورياً والقيام بالتحاليل المخبرية والاشعة المقطعية لهم لمراقبة جهازهم البولي وتعديل العلاج اذا ما لزم الأمر والتأكد من نجاح المعالجة.

ومن ابرز الوسائل الوقائية الإكثار من شرب السوائل لزيادة كمية البول المفروزة خلال 24 ساعة الى اكثر من ليترين مما يساعد على “تنظيف” الكلى من اية رواسب وتخفيض تركيز المواد الكيماوية كالكالسيوم والاوكسالات التي تساعد على تكوين الحصيات. وعلينا التشديد على نقطة مهمة طالما يهملها المرضى والاطباء وهي ضرورة شرب السوائل ليس اثناء النهار فحسب بل في الليل ايضاً لتشمل تلك الوقاية مدة 24 ساعة يومياً. وقد اكدت عدة دراسات منفعة الاكثار من شرب السوائل اذ انها اظهرت تدنياً ملحوظاً في نسبة معاودة الحصيات من 27٪ الى حوالي 12٪ بعد مرور حوالي 5 سنوات من البدء في تطبيقها. ولنوع المشروبات اهمية ايضاً اذ انه تبين ان الاكثار من شرب المرطبات الغازية الى اكثر من ليتر في الاسبوع يزيد معدل نكس المرضى بحوالي 15٪ تقريباً كما هو الحال ايضاً بتناول كميات عالية من الكريب فروت او الليمون الهندي بينما ينفع عصير الليمون الحامض الى تخفيض معاودة الحصيات بنسبة 40٪ او اكثر.

وعلاوة على اهمية فرط شرب السوائل فإن للحمية الغذائية منفعة كبرى في تلك الحالات اذ انه تبين ان تناول كميات عالية من البروتين، وخصوصاً اللحوم الحمراء، يزيد افراز الكلسيوم وحمض اليوريك والسيترات ويساعد على تكوين الحصيات مما يستوجب تخفيض كمية البروتين في الاكل الى حوالي غرام واحد لكل كيلوغرام من الوزن. وللصوديوم الموجود في الملح تأثير عكسي على تكوين الحصيات اذ ان الفرط في تناوله يزيد كمية الكالسيوم في البول مما قد يساهم في معاودة تلك الحصيات ويستوجب التقليل من تناوله الى اقل من 3 غرامات في اليوم. وطالما نصح الاطباء المرضى المصابين بالحصيات التي تحتوي على الكالسيوم من الامتناع عن تناول الحليب ومشتقاته لتخفيض تركيز تلك المادة في البول وقد دحضت الاختبارات الحديثة تلك النظرية وبرهنت ان التقليل من تناول الكالسيوم يزيد بدل أن ينقص نسبة الاصابة بالحصيات لأنه يسبب فرط افراز مادة الأوكسالات في البول بسبب قلة ارتباطها بالكالسيوم في الامعاء وامتصاصها معه عبرها فاذا ما زاد تركيزها في البول فقد يساهم ذلك إلى تكوين حصيات الكالسيوم والأوكسالات الأكثر نسبة بين جميع الحصيات. وقد أظهرت دراسة على 120 رجلاً مصاباً بهذه الحالة مع تركيز طبيعي للكالسيوم في البول عولجوا بأنواع مختلفة من الحميات الغذائية وتوبعوا لمدة 5 سنوات أن الحمية الفقيرة بالبروتين والملح والتي تحتوي على كمية عادية من الكالسيوم أي حوالي 1200ميلي غرام يومياً تفوقت على الحمية التي تحتوي على كمية ضئيلة من الكالسيوم أي حوالي 400 ميلي غرام يومياً بالنسبة إلى نكس الحصيات الكلوية. وأما في حال زيادة امتصاص الكالسيوم في الامعاء مع زيادة افرازه في البول فينصح المريض في تلك الحالة بالتقليل من شرب الحليب ومشتقاته.

وفي حال معاودة الحصيات بالرغم من الحمية الغذائية أو في حال زيادة حجمها في غضون ستة أشهر بعد اتباع تلك الحمية فقد يستوجب ذلك العلاج الدوائي الخاص حسب نتائج التحاليل المخبرية على البول المجموع خلال 24 ساعة. ولإنجاح هذا العلاج والوقاية من معاودة الحصيات يجب على المريض أن يتقيد به ويتبعه على المدى الطويل أي لعدة سنوات لا سيما أن عدة اختبارات قد أظهرت أن حوالي 15٪ إلى 40٪ من هؤلاء المرضى فقط تابعوا هذا العلاج بعد مضي حوالي 3 سنوات منذ بدئه. وفي حالات زيادة افراز الكالسيوم في البول لأسباب مجهولة مع استمرار الاصابة بالحصيات الكلوية فإن العلاج المثالي لها يرتكز على حمية تحتوي على معدل طبيعي للكالسيوم مع كمية قليلة من الملح والحوم الحمراء والاكثار في تناول السوائل والمعالجة بمدر البول «الثايازايد» يومياً بجرعة 12,5 مغ إلى 25 مغ مع التأكيد من عدم حصول نقص في مادة البوتاسيوم في الدم، وهذا العلاج لا ينقص افراز الكالسيوم في البول وحسب بل يزيد تركيزه في العظام ويقويها ايضاً، وأما إذا ما فشل هذا العلاج فيمكن استبداله بعقاقير أخرى تحتوي على السيترات أو البيكربونات مع البوتاسيوم أو التي تتكون من مادة الفوسفات المتعادل كالأورثوفوسفات مثلا التي قد تعطي نتائج ممتازة في معظم تلك الحالات.

وأما اذا ما أظهرت التحاليل البولية فرطاً في تركيز مادة حمض اليوريك في البول التي قد تساهم احياناً في تكوين الحصيات الكلسية واذا لم تنجح الحمية القليلة بالبروتين الحيواني كاللحوم الحمراء والدجاج والبقوليات وغيرها في تخفيض تلك المادة في البول فيجب عندئذ اتباع معالجة دوائية تزيد قلوية البول وتحتوي على ستيرات البوتاسيوم أو البيكربونات وأحيانا عقار “ألوبيرينول” الذي يخفض انتاج حمض اليوريك في الجسم. واما في حال اثبات نقص معدل المثبط البولي “السيترات” في البول الذي يترابط مع الكالسيوم ليشكل مركب ذواب ويمنع تكوين الحصيات الكلسية تتم المعالجة بسيترات البوتاسيوم أو البيكربونات مع نتائج جيدة في تلك الحالات.

وفي بعض حالات زيادة افراز مادة الاوكسالات في البول نتيجة أمراض هضمية أو استئصال جزء من الامعاء فترتكز المعالجة على تخفيض معدله البولي بالاكثار من تناول السوائل واستعمال عقار البوتاسيوم سيترات أو البيكربونات التي تقيده في الامعاء وتمنع إفرازه في البول مع حمية غذائية خاصة قليلة بالاوكسالات الموجودة بكثرة في الخضار القاتمة مثل السبانخ والملوخية والحبوب والشوكولا والفراولة والكاكاو واللوز والفستق وعصير الكريب فروت والليمون والهليون والشاي وغيرها.

أ.د. صالح بن صالح

×