يبدأ تضخم غدة البروستات عند كل الرجال تقريباً منذ بلوغهم سن الأربعين وتظل هذه الزيادة في الحجم مصاحبة للزيادة في عمر الرجل، وهي الحالة المعروفة التي تسمى تضخم البروستات الحميد، لكن المشكلة أن بعض الرجال لا يدركون إصابتهم بهذا المرض وقد تسوء الأمور عندهم لتؤدي لتغيير مجرى حياتهم تماماً، وربما يصل الأمر إلى مرحلة احتباس البول والفشل الكلوي.
العوامل العمرية والوراثية من أكثر المسببات لتضخم البروستات:
تضخم البروستات هو تضخم حميد في غدة البروستات الواقعة تحت المثانة في اسفل الحوض ويحدث عند الرجال عادة بعد سن الأربعين مما قد يؤدي إلى تضييق بطيء في مجرى البول مسبباً صعوبة في التبول، وهناك عدة إحصائيات عالمية تشير الى أن تضخم البروستات يصيب الملايين من الرجال الذين تجاوزوا 50 سنة من العمر بنسبة حوالي 40% بعد سن الستين و90% بعد سن الخامسة والثمانين، مع حدوث أعراض بولية منغصة عند حوالي 50% منهم فضلاً عن أن تلك الحالة قد تؤثر على الطاقة الجنسية بنسبة 90% وتسبب العجز الجنسي المتقدم في حوالي 50% من تلك الحالات، وقد وجد أنه غالباً ما يحدث تضخم حميد أو تضخم شيخوخي في هذه الغدة عند 25 إلى 30% من الرجال لأسباب كثيرة تتعلق بالوراثة والسن والهرمونات وهذا التضخم يؤدي إلى زيادة طول مجرى البول كما يضغط عليه فيعيق تدفق التبول.
ومن الناحية التشريحية فإن هذا التضخم هو عبارة عن ورم ليفي ينشأ غالباً في الجزء الأوسط من غدة البروستات ويشبه إلى حد كبير تضخم اللوزتين الذي يسبب إعاقة في البلع. تجدر الإشارة الى أن مشكلة تضخم البروستات لها شقان الأول هو التضخم ذاته أو زيادة حجم العائق الذي يمنع نزول البول، والشق الثاني وجود احتقان وانقباضات في البروستات تعيق نزول البول.
تأثير سلبي على حياة الإنسان:
تتباين أعراض تضخم البروستات وتختلف من شخص الى آخر لكنها في محملها تتمثل في الكثرة في عدد مرات التبول لأن المثانة لا تفرغ البول بالشكل الطبيعي، والسرعة في رغبة التبول حتى لو كانت كمية البول قليلة، وأحياناً يصل الأمر إلى سلس البول حيث يفقد المريض البول دون تحكم، كما يجد المريض صعوبة في بدء التبول واستمرار تدفق تيار البول (أي يحدث تقطع في التبول) وصعوبة أيضا في إنهاء التبول بمعنى أنه بعد الانتهاء من التبول يظل يسقط منه بعض القطرات، وكل هذه الأعراض نتيجة مباشرة لوجود انسداد في مجرى البول، كما أن هذه الأعراض قد تكون مقبولة في النهار إلا أنها تشكل مشكلة أثناء الليل، حيث ينزعج المريض بالذهاب للتبول مرات كثيرة فيؤثر على الاستفادة من النوم، وبالتالي على أدائه في اليوم التالي بل يؤثّر على نوعية حياته وانتاجيته.
مراحل العلاج تدريجية:
زيادة حجم هذه الغدة ليس سبباً كافياً للعلاج بدون مصاحبتها بأعراض بولية، وقد يتفق المريض مع طبيبه على توخي الحذر والمراقبة لتطور الحالة بفحص مجدول للبروستات وأعراضها، لكن عند حدوث الانزعاج من هذه الأعراض أو حدوث تأثير سلبي على الجهاز البولي يلزم البدء بالعلاج ويكون إما باستخدام الأدوية التي تغني عن الجراحة والتي أدت إلى انخفاض نسبة العمل الجراحي إلى 50%، أو العلاج الجراحي إذا كانت الحالة في مرحلة متقدمة وازدادت الأعراض سوءاً بشكل مطرد أو فشلت العقاقير في ضبط الحالة. وهناك العديد من الخيارات الجراحية منها الاستئصال الجزئي للبروستات عبر الإحليل وهو الإجراء الأكثر شيوعاً حيث يتم أثناء العملية تمرير تلسكوب عبر الإحليل حتى يبلغ غدة البروستات ثم يستخدم القاطع الحراري لاستئصال بعض النسيج البروستاتي، وهناك الاستئصال الكامل للبروستات إذا كانت متضخمة لدرجة كبيرة ولكن قد تؤدي هذه العملية إلى العقم والعجز الجنسي.
التطور الطبي ساعد في تعدد الأساليب الجراحية للعلاج:
وعمليات الاستئصال الجزئي للبروستات تتم بعدة أساليب منها استئصال البروستات باستخدام القاطع الكهربائي أو بتوجيه من الموجات فوق الصوتية عبر الإحليل، أو استئصال البروستات بمساعدة الليزر، أو العلاج الحراري بالمايكروويف عبر الإحليل، بالإضافة إلى عمليات نوعية أخرى وهي التوسيع بالبالون الذي يتم بإدخال قسطرة ومعها بالون فارغ من خلال العضو إلى الجزء المتضيق من الإحليل، ولدى وصولها إلى هذا الجزء يتم نفخ البالون بمحلول ملحي في العادة مما يعمل على تمديد وتوسيع قطر الإحليل ويضغط على نسيج البروستات، أو طريقة دعامات إحليل البروستات وهي أسطوانات شبكية تشبه الزنبرك يتم إدخالها إلى الجزء المتضيق من الإحليل عن طريق المنظار، حيث تترك لعدة سنوات داخل هذا الجزء لتوسيع قناة الإحليل لتتيح تبولاً أسهل.
علاج تضخم البروستات بالقسطرة الإشعاعية:
وبنفس مبدأ عمليات القسطرة الإشعاعية لعلاج اورام الرحم الليفية تقوم فكرة هذه الطريقة في علاج تضخم البروستات الحميد والتي نشر اول وصف لها عام 2008م، حيث يتم إغلاق الشرايين المغذية للغدة عن طريق حقن حبيبات طبية صغيرة بالقسطرة لسد التروية للجزء المتصخم في البروستات مما يساعد على ضمور هذا التضخم وتراجع الاعراض المرضية. ويتميز العلاج عن طريق الحقن بالقسطرة التداخلية (مثل كل العمليات التي تتم عن طريق القسطرة العلاجية) بارتفاع معدل الامان وبالاخص للمرضى من كبار السن ومرضى القلب والسكري حيث تجنبهم التخدير الكامل وبعض المضاعفات الشائعة لجراحة استئصال البروستات التقليدية مثل التهاب المثانة او نزيف ما بعد العملية، كما تجنبهم الأم الجراحة بالاضافة الى الاستشفاء السريع.
وقد اظهرت الابحاث والدراسات الطبية المبدئية على هذه التقنية نسبة نجاح تصل الى اكثر من 90٪ من الحالات وصغر في حجم البروستات يصل الى حوالي 30% من حجم ماقبل القسطرة وتحسن في الأعراض البولية مابين 75-80% من المرضى على المدى المتوسط مع انخفاض في المضاعفات والاعراض الجانبية. وقد أشارت هذه الدراسات الى ان النتائج الايجابية تكون ملاحظة اذا ما زاد حجم البروستات عن 80 جراما وفي اعمار المرضى الاقل من 70 سنة حيث انه مع تقدم العمر يصعب ادخال القسطرة في اوعية الحوض نتيجة لتصلب الشرايين.
وهنا أشير الى عدد من النقاط المهمة من واقع متابعة هذه الدراسات الطبية المنشورة يجدر تنبيه القارئ الكريم عنها خاصة بعد الإطلاع على بعض الكتابات الصحفية المنشورة عنها والتي تشير الى منافع هذه الطريقة دون التطرق الكامل لما لها وماعليها. ومن أهم ما أود التنويه عنه ما يلي:
- يجب التنبيه الى وجود تفاوت كبير في الجانب التشريحي للشرايين المغذية للبروستات والتي قد تختلف من شخص الى آخر بالإضافة الى صغر تلك الشرايين مما يجعل من التدخل بالقسطرة الإشعاعية لقفل تلك الشرايين أمراً فيه تحدٍ كبير للطبيب المعالج (المقصود هنا طبيب الأشعة التداخلية) وهو مايصعب من عملية اقفال تلك الشرايين على جانبي البروستات ويتضح ذلك من ان جزءاً من الرجال الذين خضعوا للقسطرة تم اقفال جهة واحدة لهم فقط بدلاً من الجهتين كما في المدونات الطبية المنشورة عن هذه الطريقة وهو ما يضعف الفائدة الكاملة لمبدأ اغلاق التروية للجزء المتضخم من البروستات والتي يجب ان تتم من الجانبين.
- من واقع هذه الدراسات لم يتضح وبشكل قاطع ان نجاح عملية تقفيل شرايين البروستات يتناسب مع تحسن الأعراض البولية او بمعنى آخر لم يتضح ما اذا كان النجاح التقني في إجراء القسطرة يتوافق مع النجاح الاكلينيكي في تحسن الأعراض.
- الدراسات المنشورة عن هذه التقنية الى وقت كتابة هذا المقال محدودة جداً وأكثرها تم إجراؤه على حالات فردية او حالات محدودة العدد وأحادية المكان، وفي العرف الطبي يحد هذا الشيء من فكرة قبول هذه التقنية او تعميمها بشكل واسع قبل اجراء المزيد من الدراسات والأبحاث المحكمة وفي اكثر من مكان وعلى شريحة اكبر من المرضى مع متابعة نتائجها على المدى البعيد ومقارنة فعاليتها ومميزاتها بالمتوافر حالياً من التقنيات العلاجية الأخرى قبل الحكم عليها بالقبول او الرفض.
- مع محدودية الآثار الجانبية والمضاعفات المنشورة عن هذه التقنية لعلاج تضخم البروستات الا انه ومن الناحية النظرية ومع التسليم بأنه امر نادر الحدوث فإن اقفال الشريان الخاطئ قد يحدث آثاراً بالغة على الأعضاء الأخرى المحيطة بالبروستات، مثل المستقيم والمثانة والعضو الذكري، وقد أشارت احد البحوث المنشورة الى حدوث نخر في جدار المثانة (حالة موت وتحلل ينتج عنه فقد جزء من جدار المثانة البولية) لدى احد المرضى المعالجين بهذه الطريقة وفي بحث آخر حدث تقرح في جدار المستقيم.
- يجب ملاحظة أن الأعراض البولية الناتجة من اضطرابات البروستات او اعتلالات المثانة متقاربة الى حد كبير، وهو الأمر الذي يؤكد أهمية مراجعة طبيب المسالك البولية المختص لتحديد سبب الأعراض البولية واختيار العلاج المناسب وهو الشيء الذي لا يستطيع القيام به على الوجه الأكمل اي طبيب آخر بما فية مختص الأشعة.
وكنتيجة لما ذكر اعلاه ومع ان هذه التقنية واعدة لاسيما في محدودية التدخل الطبي على جسم المريض ومعدل السلامة المرتفع على المدى القريب الا انها يجب ان تعتبر تقنية مبدئية وفي مراحل التجارب البحثية ولا يجب تعميمها بشكل واسع إلا بعد التأكد من فعاليتها وقياس الآثار الجانبية الملحقة بها على المدى البعيد.
أ.د. صالح بن صالح