استكمالاً لحديثنا في العيادة الصحفية السابقة عن ماهية آلام الخصية المزمنة وأهم مسبباتها، نواصل الحديث في هذا العدد عن أهم ماتبقى من تلك المسببات وطرق العلاج والوقاية منها.
من أهم وأخطر الحالات المسببة لألم الخصية والتي يجب عدم إهمالها أو التراخي في علاجها هو التوائها أو مايسمى بانفتال الحبل المنوي. وأول من وصف أعراض انفتال الحبل المنوي (Torsion) كان الدكتور «ديلاسيوف» في عام 1840م وتابعه في سنة 1950م الدكتور «فتدربول» الذي بين أعراض انفتال الحبل المنوي المتقطع بحصول آلام مفاجئة وشديدة في الخصية لفترة وجيزة من الوقت لا تتعدى عادة الساعتين وقد تعاود تلك الحالة عدة مرات لأسباب مجهولة وتسبب الآلام والقلق عند المريض وتكون تحدياً للطبيب بالنسبة إلى تشخيصها ومعالجتها. وقد يكون الوجع في درجات متفاوتة من الشدة ونسبة معاودته قد تتراوح ما بين مرة واحدة إلى 30 مرة في السنة الواحدة وتصيب عادة الرجال والأطفال ما بين السنتين إلى 58 سنة من العمر وتحدث عادة في الجهة اليسرى وقد تترابط في بعض الحالات مع أعراض سريرية أخرى كالغثيان والتقيؤ وآلام أسفل البطن. ويتم تشخيص تلك الحالة بناءً على الأعراض السريرية وتاريخ المريض الطبي والفحص السريري الذي قد يظهر تضخماً وإيلاماً في الخصية المصابة التي تغير موقعها من الوضع العامودي الطبيعي إلى وضع أفقي في حوالي 52 إلى 75٪ من تلك الحالات مما يساعد على تشخيص تلك الحالة أثناء حدوث الألم فضلاً عن أن الخصية نفسها تكون متحركة داخل الصفن ويكون الحبل المنوي متضخماً ومؤلماً وسميكاً.
وخطورة تلك الحالة تعود إلى أن حدوث الانفتال في الحبل المنوي لمدة طويلة في بعض تلك الحالات قد يسبب اقفار ونخر وضمور الخصية نتيجة انقطاع التروية الشريانية للخصية وقد يؤثر على وظيفة الأنطاف في الخصية الأخرى السليمة نتيجة إنتاج أجسام مضادة من الخصية المصابة ويؤدي إلى العقم. هنا من الأهمية بمكان التشديد على أهمية التشخيص السليم والسريع حيث إن استمرار فقد التروية للخصية لمدة 6 ساعات متواصلة يؤدي إلى ضرر دائم بالخصية المصابة حتى لو تم تعديله فيما بعد. كما أن الاعتماد على الأشعة فوق الصوتية للتشخيص قد يكون مضللاً، لأنه في الكثير من تلك الحالات قد يكون الانفتال قد زال قبل القيام بها ولكنها قد تظهر بعض التغيرات التي توحي بحصوله مثل تباطؤ سريان الدم في شريان الخصية وزيادة التذبذب الصوتي والإدارة حول الخصية بنسبة 23٪ إلى 46٪ من تلك الحالات في حال إجراء تلك الأشعة أثناء حدوث الألم ولكن تلك النسبة تنخفض إلى حوالي 4٪ بعد زوال الوجع.
وأما بالنسبة إلى العلاج فإن حدوث تلك الآلام المتقطعة في الخصية التي توحي بحدوث الانفتال في الحبل المنوي قد تستدعي في معظم تلك الحالات، وحتى فقط عند الاشتباه بحصوله وقبل التأكد القطعي منه، إلى القيام بجراحة عاجلة وتثبيت الخصيتين إلى أسفل الصفن للحد من حصول الانفتال فيهما مستقبلاً مع نتائج ممتازة في معظم تلك الحالات ووضع حد نهائي للأوجاع بنسبة كبيرة إن شاء الله.
من ناحية أخرى، تعتبر الإصابة بدوالي الحبل المنوي أحد أهم الأسباب الأخرى لألم الخصية المزمن وهي تؤثر في حوالي 15% من الرجال خاصة في مرحلة البلوغ والنضج الجنسي وغالبا مايوصف الألم بمثل الثقل الجاثم على الخصية الذي يزيد مع الوقوف الطويل أو بعد ممارسة الرياضة ويتحسن الألم في معظم الحالات ولو بشكل قليل بعد الاسترخاء أو الجلوس. وتتم المعالجة في حال ثبوت التشخيص بربط الدوالي بعدة طرق جراحية أشهرها بواسطة الميكروسكوب الجراحي مع نتائج ممتازة تصل إلى وضع حد نهائي للأوجاع في 70% من الحالات.
علاج الحالات المستعصية المجهولة السبب:
في الحالات المستعصية لآلام الخصية المزمنة وفي حالة استبعاد جميع الاعتلالات المذكورة أعلاه يتم اللجوء إلى تقنية إزالة عصب الحبل المنوي مجهريا والذي يهدف إلى استئصال جميع الأعصاب الحسية مع المحافظة على الشرايين والقناة المنوية (الأسهر) في الحبل المنوي. وتشير أحدث الدراسات عن هذه العملية إلى اختفاء الألم أو تحسنه بشكل كبير في حوالي 90% من هذه الحالات.
الحالات التي يجب على الرجل عندها مراجعة الطبيب:
لا تستدعي المعاناة من ألم الخصية الذي لا يستمر لفترة طويلة ولا يحدث بشكل متكرر لمراجعة الطبيب في العادة، ولكن هنالك حالات تجب عندها المراجعة المباشرة، ومنها:
- ألم الخصية المستمر لعدة أيام.
- وجود كتلة أو انتفاخ في الخصيتين أو إحداهما.
- هناك حالات طارئة يجب عندها مراجعة الطبيب فوراً، كالمعاناة من ألم شديد وحاد وبشكل مفاجئ في الخصية؛ إذ قد يكون السبب يرجع إلى الإصابة بالتواء في الحبل المنوي كما أشرنا إليه سابقا، وتهدف المراجعة للحيلولة دون فقدان تروية الخصية نتيجة لهذا الالتواء، وكذلك إذا جاء الألم مصاحباً بالغثيان، أو ارتفاع درجة حرارة الجسم، أو الارتعاش، أو وجود دم في البول.
أ.د. صالح بن صالح