الضعف الجنسي
من اهم ما يشغل الطبيب عند معاينة مريضه هو كيفية انهاء معاناته او التحكم فيها عن طريق التشخيص الصحيح واختيار العلاج المناسب بدون تحميله اعباء الآثار الجانبية للدواء. وفي حالة الضعف الجنسي عند الرجل يصنف البعض الأطباء إلى طائفتين،الطائفة الأولى تعالج الضعف الجنسى والطائفة الثانية تصنعه وتتسبب فيه!. ومع قساوة هذا التصنيف الا انه يحمل جانبا كبيرا من الحقيقة، ولايستطيع الأطباء أنفسهم نفي هذا الاتهام عنهم لأن البعض منهم يطلق رصاصة الضعف الجنسي مجبرين غير مختارين لكن متعمدين، فالدواء رصاصة لاترى بعينين وغالباً ماتصيب الهدف ولكنها دوماً ماتثير شظايا في محيط هذا الهدف، وحتى هذه اللحظة فالدواء الخالي من هذه الشظايا مازال حلماً لم ير في اليقظة. هذه الشظايا الدوائية هي التي تصنع مايطلق عليه في علم الصيدلة الأعراض الجانبية، وهذه الأعراض هي جزء لايتجزأ من طبيعة الدواء، وهي أيضاً ماينتج عنها الضعف الجنسي، وبسبب هذه الأعراض الجانبية من الممكن أن يخرج مريض الضغط من عند طبيب الباطنة مصاباً بضعف في الانتصاب، ومن الممكن أن يصاب مريض البروستات بمشاكل القذف بعد اخذه العلاج وتحسن ادائه البولي، كما يمكن ان يجد الشاب اليافع الذي يعالج من القلق نفسه بارداً كقالب الثلج!!
ويظل هؤلاء الرجال يبحثون عن السبب في تلك الكارثة التي حلت بهم بلاجدوى، وأحياناً يلجأون إلى العلاج الشعبي والسحر وفك الربط وغيرها، يفعلون كل هذا ولايعرفون أن المتهم الحقيقي قابع فوق المنضدة بجانبهم في علبته الكرتونية الأنيقة، يتسلل إليهم قبل الأكل وبعده على هيئة كبسولات وأقراص وأمبولات يأخذها المريض طوعا ورغبة، ويحتار المريض هل يلوم الطبيب أم يرفع قضية على شركة الأدوية أم يضع يده على خده انتظاراً للفرج؟ وهو في كل هذه المواقف لايدرك أن السبب يقبع في طبيعة الدواء نفسه، وأن الطبيب يفلح أحياناً في تغييره وأحياناً أخرى لايستطيع ذلك لأن الدواء المكتوب حينها يصبح مسألة حياة أو موت وعلى المريض أن يرضخ ويتناوله ويرضى بمصير الضعف الجنسي الناتج عنه ويتكيف معه.
قائمة الأدوية التي تسبب الضعف الجنسي طويلة ومتشعبة، ويمكن ان تؤثر على اي جهاز في الجسم يشارك في اتمام عملية الانتصاب. وبما أن الجنس سلوك يتحكم فيه أولاً الجهاز العصبى فبالطبع ستتصدر القائمة الأدوية التى تؤثر على هذا الجهاز، ومعظم الأدوية التى تعمل على الجهاز العصبى المركزى تؤدى إلى إنخفاض الرغبة الجنسية، والضعف الجنسى ومشاكل فى القذف، أما عن كيفية التأثير السلبى لهذه الأدوية على العملية الجنسية، فهي تؤثر عن طريق التهدئة أو عن طريق كبحها للأستيل كولين وهو موصل عصبي مهم في توصيل الرسالة الجنسية وغيرها من رسائل الجسم المختلفة، أو عن طريق تأثيره على الدوبامين والأدرينالين وهما أيضاً من المحفزات لهذه العملية، وتوجد بعض الأدوية التي تعوق الأداء الجنسي عن طريق رفع هورمون الحليب “البرولاكتين” وهو الهورمون المسئول أساساً عن إدرار اللبن أثناء الرضاعة في المرأة ولكنه موجود عند الرجل أيضاً ولكن بنسبة قليلة عندما تزيد عن الحد تؤدي إلى الضعف الجنسى كما اوضحناه في مقالة سابقة من هذه العيادة يمكن الرجوع اليها لمزيد من الايضاح، ومن الأمثلة المشهورة لهذه الأدوية مايطلق عليه المهدئات الأساسية أو العظمى مثل مجموعة الفينوثيازين ومجموعة المهدئات الصغرى مثل مجموعة الديازيبام، وأيضاً معظم الأقراص المنومة وأهمها طائفة الباربيتورات.
أما مضادات الاكتئاب فهي متهم رئيسي في قضية الضعف الجنسي خاصة مايسمى بمضادات “المونوامين اوكسيديز”، وحتى “البروزاك ” الدواء السحري الذي أثار ضجة هائلة حين اكتشافه ومنح مرضى الاكتئاب طوق النجاة إتضح أنه هو الآخر من الممكن أن يتسبب فى الضعف الجنسى لدرجة أن بعض الأطباء ينصحون بتناول منشط جنسي معه حتى لاتزيد درجة الإكتئاب بسبب حصول ضغف جنسي متزامنا مع اخذ الدواء. أما دواء الاكتئاب الذي يسبب عرضاً جانبياً لكن من الجهة الاخرى فهو “الترازودون” والذي يصحبه في بعض الأحيان مايطلق عليه بالقساح PRIAPISM)) وهو انتصاب مؤلم لمدة بين 4 الى 6 ساعات أحياناً ينتهى في غرفة العمليات بجراحة اسعافية للتحكم في الانتصاب المستمر غير المرغوب وتفريغ الدم المحتقن فيه !!.
ومن المخ والجهاز العصبى إلى القلب والأوعية الدموية، وإذا كان القلب هو مركز الحب في قوافي الشعراء فإن أدويته أحياناً هي مركز الضعف في رأي الأطباء، فبعض أدوية القلب بأنواعها المختلفة من الممكن أن تتحول الى عامل قدح في الفحولة ، والنوع الأول من هذه الأدوية وأشهرها على الإطلاق هي أدوية الضغط، وهذه الأدوية تقسمها الكتب الطبية إلى ثمانية أقسام، منها ثلاثة أقسام فقط هي البريئة من تهمة الضعف الجنسي، والقسم البريء الأول هو الأدوية التي تعمل مباشرة على توسيع الأوعية الدموية مثل “المينوكسيديل “، والقسم الثاني الأدوية التي تعمل على تثبيط مايطلق عليه “إنزيمات تحويل الأنجيوتنسين”، أما القسم الثالث فمختلف عليه طبياً وهي مجموعة الأدوية التي تخفض ضغط الدم عن طريق التدخل في مسار الكالسيوم، أما ماعدا ذلك من أدوية الضغط فمعظمها يقف في قفص الاتهام.
هنا يجب التذكير ان مريض الضغط عامة من الممكن أن يكون لديه تغيرات مرضية في أوعيته الدموية بما فيها تلك الموجودة في العضو الذكري وتكون هي المتسببة في الضعف الجنسي حتى وإن لم يستعمل دواء، وهذه التغيرات أهمها تصلب الشرايين الذي يعوق تدفق الدم في العضو والذي يعتبر من اهم المتطلبات الاساسية لحدوث عملية الإنتصاب، كما ان هذا الخلل من الممكن أن تتسبب فيه بعض أدوية الضغط أيضاً.
أول أدوية الضغط المتهمة واشهرها هي مدرات البول واهمها الثيازايد ولكنها لاتسبب الضعف الجنسي عن طريق إعاقة الدورة الدموية، ولكنها تتسبب في نسبة من الضعف الجنسي بين متناوليها تتراوح من 9% إلى 31% عن طريق تخفيض الهورمون الذكرى (التيستوستيرون) الذي يؤدي بدوره إلى إنخفاض الرغبة الجنسية، أما طائفة أدوية الضغط التي تسمى “مثبطات البيتا ” وأهمها “البروبرانولول” فهي تتسب في الضعف الجنسى وإنخفاض الرغبة عن طريق عملها على الشرايين وعلى المخ أيضاً، أما آخر مجموعة في أدوية الضغط المتهمة فهي المجموعة التي تعمل على الجهاز العصبي الودي مثل “الألدوميت” والذي يتسبب أحياناً في الخمول وزيادة هورمون الحليب وهي عوامل كثيراً ماتتسبب في الضعف الجنسي.
وعادة مايوصف لمريض القلب أدوية مضادة للدهون مثل “الستاتين” و”الفايبريت”، ومن الممكن أن تتداخل هذه الأدوية مع بعض الهورمونات المسئولة عن الرغبة الجنسية وتخل بوظيفتها وبالتالي تسبب الضعف الجنسي.
كما يتشابه “الديجوكسين” أشهر أدوية القلب مع الأدوية السابقة في تخفيضه للهورمون الذكرى “التستوستيرون” وزيادة الهورمون الأنثوي “الإستروجين”، ولكنه يزيد عنها في أنه يزيد من نسبة الكالسيوم في خلايا عضلات العضو الذكرى مما يسبب إنقباضاً في هذه العضلات يعوق إندفاع الدم داخله وهو ماذكرنا تأثيره السلبي من قبل.
الجهاز الثالث في حديثنا هو الجهاز الهضمي وكما قيل قديماً أن الطريق إلى قلب الرجل هو معدته، فبامكاننا القول ايضا أن الطريق إلى عجز الرجل أحياناً يكون معدته !! فأدوية علاج القرحة مثل “السيميتدين” و”الرانيتدين” أحياناً يصحبها بعض الهبوط الجنسي وزيادة حجم الثدي عند الرجال، و”السيميتدين” يخفض الوظائف الجنسية عن طريق زيادة هورمون الحليب الذي ذكرناه من قبل وأيضاً عن طريق زيادة إنقباض العضلات المبطنة للنسيج الإسفنجي للعضو الذكرى.كما ان بعض عقاقير الجهاز البولي والغدد قد تكون المسبب الرئيسي للضعف. فبعض الهورمونات الدوائية التي تستخدم في علاج تضخم البروستات الحميد او السرطاني يمكن ان تؤدي إلى الضعف الجنسي ومثالها مثبطات اختزال الفا 5 مثل الفيناستيرايد . كذلك فان بعض ادوية توسيع مجرى البول مثل مثبطات الفا تسبب في قلة اوانعدام خروج السائل المنوي.ومثل الهورمونات تلعب مضادات الهورمونات دوراً في الضعف الجنسي الدوائي مثل الأدوية المضادة للهورومون الذكرى “التستوستيرون” والتي نجدها أحياناً في بعض أدوية الفطريات مثل “النيزورال”. كما تجدر الاشارة الى ان معظم العلاجات الكيماوية لمرضى الاورام تقود الى ضعف جنسي خلال وبعد استعمالها، ومثله علاجات الحساسية مثل مضادات الهيستامين.
ختاما وكما ان معرفة الداء واختيار الدواء من اهم ركائز نجاح المعالجة، الاان اختيار بعض العلاجات خصوصا تلك التي توصف بصفة دائمة للمريض يجب تتم بحرص شديد وتنويه للمريض حتي لايفاجأ ان ما افاده من جهة اجهز عليه من جهة اخرى.
أ.د. صالح بن صالح