البول الدموي المجهري.. حالة عابرة أم نذير خطر؟

قد يعبّر عن أمراض القصور الكلوي أو الأورام السرطانية مما يتطلب سرعة المعالجة

يحدث عند نسبة ليست بالقليلة من الناس رجالاً ونساء ان يكتشفوا وجود دم في تحليل البول غير مرئي (دم بولي مجهري) والذي يمكن ان يكتشف بعد عمل التحليل البولي لأي سبب كان، سواء أكان الشخص يعاني من عارض صحي او كان تحليلاً روتينياً. والسؤال الذي يتكرر عند هذه الفئة من الناس والذي قد يكون مصدر قلق الكثير منهم خاصة عند عدم وجود اي أعراض صحية واضحة على الشخص هو:

  • هل يمكن التوقف عند هذا الحد وطمأنة هذا الرجل او هذه السيدة عن عدم الإصابة بأي مرض خطير عند غياب الأعراض المرضية أو أن ظهور الدم في البول مجهرياً قد يعبر عن احتمال وجود مرض كلوي أو مرض في الجهاز البولي حتى في غياب الأعراض البولية مما يتطلب اجراء المزيد من التحاليل والفحوصات الإضافية لتشخيصه ومعالجته؟
  • وهنا اود التنبيه الى ان هذه الحالة التي اذكرها هنا تختلف كلياً عن حالات خروج بول دموي ظاهر (البيلة الدموية) وهي الحالة التي تستوجب فحصاً استقصائيا كاملاً مع إجراء الأشعة الملونة اوالمقطعية بالصبغة وتنظير المثانة.

السؤال أعلاه يهم شريحة كبيرة من مجتمعنا ذكوراً واناثاً خاصة بعد ان يكون الكشف عن هذه المشكلة نتيجة لتحليل البول اما وقائياً كالفحص المبكر للأمراض او نتيجة لفحص اجري قبل الالتحاق بالوظيفة او بسبب عارض صحي غير مرتبط بالجهاز البولي.

ورغم اختلاف العلماء حول الاجراءات المطلوبة عند معاينة المريض الذي يعاني من بول دموي مجهري ومدى التوسع في الفحوصات الا ان الغالبية يشدد على خطورة تلك الظاهرة الطبية وعلى وجوب تشخيص أسبابها بدون أية مماطلة حتى إذا ما غاب البول الدموي في التحاليل اللاحقة لأنها قد تعبر عن وجود أمراض قد تكون خطيرة، مثل القصور الكلوي او الاورام السرطانية كسرطان المثانة الذي يكتشف في 10٪ من هؤلاء المرضى مثلاً والذي يتطلب المعالجة الفورية لتفادي مضاعفاته الوخيمة.

وحسب الاختبارات الدولية فإن نسبة حدوث البول الدموي تتراوح ما بين 0,19٪ إلى 16٪ عند تقصي وجودها عند الألوف من الأشخاص المتعافين الذين لا يشتكون من أي أعراض بولية وقد تحدث أيضاً بطريقة متقطعة في الكثير من تلك الحالات. وقد أظهرت دراسة بريطانية على جنود توبعوا لمدة 12 سنة مع فحص بولي سنوي لهم أن معدل البول الدموي المجهري كان في حدود 39٪ في تحليل بولي واحد وحوالي 16٪. في تحليلين أو أكثر فضلاً عن أن حدوثه عند النساء اللاتي تجاوزن سن اليأس كان حوالي 13٪ تقريباً.

وكانت دراسة سابقة نشرت في دورية الجمعية الطبية الأميركية (JAMA) أوضحت أن استمرار وجود الدم بصورة ميكروسكوبية في البول بالنسبة للمراهقين والبالغين يجعلهم أكثر عرضة لتدهور وظائف الكلى والإصابة بأمراض الكلى المزمنة وصولاً إلى الفشل الكلوي على مدار ما يقرب من 20 عاماً، غير أن الدراسة أوضحت أيضاً أن الوصول إلى المراحل النهائية بالنسبة للفشل الكلوي تكون منخفضة قياساً بنسبة الأشخاص الذين يعانون من وجود دم في البول. ولكن يبقى الاحتمال قائماً، ولذلك يجب التعامل باهتمام مع وجود دم بالبول حتى وإن كان بشكل ميكروسكوبي.

وعلى الرغم من أن تحليل البول يعتبر من أبسط الفحوصات التي يتم إجراؤها ويتميز بسهولة إجرائه وقلة تكاليفه، فإنه يعتبر مؤشراً بالغ الدلالة في تشخيص الكثير من أمراض الكلى والأمراض الأخرى على حد سواء، ويتم الحكم على عينة البول من الناحية الفيزيائية من حيث الكمية واللون والمظهر والثقل النوعي والتفاعل إذا كان تفاعلاً حمضياً أو قلوياً، وكذلك من الناحية الكيميائية من حيث وجود بروتين أو جلوكوز أو صبغات معينة مثل البيليروبين، وكذلك من ناحية الدراسة بشكل ميكروسكوبي من حيث وجود كريات الدم البيضاء (الصديد) أو كريات الدم الحمراء أو الأملاح.

وبحسب التعريف المتفق عليه فإن تشخيص البول الدموي المجهري يقوم على وجود 3 كريات دم حمراء او اكثر في فحصين مجهريين من أصل ثلاثة تحاليل بواسطة تحليل البول المخبري.

أسباب البول الدموي المجهري

ثمة أسباب لتلك الحالة يكن تصنيفها إلى فئتين، أولها كبيبي المنشأ أي أنه يعود إلى آفات في الكبيبات الكلوية وثانيها غير كبيبي أي أنه يمثل ظاهرة لعدة أمراض تصيب الكلية أو المسالك البولية والتناسلية. وتشمل الفئة الأولى الاعتلال الكلوي التابع للأيج فئة أ أي الغلوبلين المناعي IgA والبيلة الدموية العائلية الحميدة التابعة للغشاء القاعدي الرقيق في الكبيبات الكلوية والالتهاب الكلوي الكبيبي الوراثي المرتبط بفقدان السمع والتهاب الكبيبات المحصور.

وأما الفئة الثانية فإنها تستوعب الآفات التي تصيب الكلية أو الحالب وأبرزها سرطان الكلية والحصيات الكلوية أو الحالبية والكلية المتعددة الكيسات والالتهاب الكلوي واللبّ الأسفنجي الكلوي ورضح الكلية أو الحالب أو اصابتهما برضوض وفرط معدل الكالسيوم وحمض اليوريك في البول ونخر حليمة الكلوة واحتشاء الكلية وضيق الحالب مع الموه الكلوي وتدرّن الكلية والمسالك البولية وفقر الدم المنجلي وغيرها. وأما الحالات التي تصيب المثانة والأحليل والجهاز التناسلي فإن أبرزها التهاب المثانة أو البروستات أو الأحليل وسرطان المثانة والبروستات وأورام المثانة الحميدة وضيق الأحليل والصماخ البولي والإصابة بالتهاب البلهارسيا في المناطق المتوطنة لهذا المرض. وفي بعض الحالات قد يعود سبب البول الدموي بدون أية أعراض بولية إلى ممارسة رياضة عنيفة أو زيادة جرعة مسيلات الدم كالورفيرين مثلاً وبعض الاصابات الفيروسية أو لأسباب مجهولة في العديد من تلك الحالات.

الفئة المستهدفة من الفحوصات

توجد فئة من المرضى ممن يعاني من البول الدموي المجهري هم اكثر اهمية في اجراء تقصٍ كامل لسبب البول الدموي المجهري لديهم ويجب عدم التراخي او اهمال استكمال فحوصاتهم، وهذه الفئة تشمل الإدمان على التدخين وتجاوز 40 سنة من العمر والتعرض الدائم إلى المواد الكيميائية أو بعض الأصبغة كما في عمال المصانع او في حالة حصول بول دموي مشاهد بالعين اوعند الإصابة السابقة بأمراض كلوية أو التهابات بولية متكررة اوبروز أعراض بولية الحاحية في غياب أي التهاب بولي اوالمرضى الذين خضعوا للعلاج الاشعاعي على الحوض.

الفحوصات الاساسية

يرتكز التشخيص على استجواب المريض حول تاريخه الطبي والعقاقير التي يتناولها والأمراض التي أصيب بها في الماضي وعن التاريخ العائلي بالنسبة إلى الاصابة ببيلة دموية أو بأمراض كلوية أخرى. وتجب الإشارة إلى أن استعمال مسيلات الدم بحد ذاتها لا يكون سبباً للبول الدموي إلا في حال تناول المريض جرعة عالية منها، إنه من الضروري في تلك الحالات أو في حال استعمال الاسبيرين يومياً كشف السبب الرئيس لوجود دم في البول وعدم عزوه إلى تلك الأدوية. ويفيد فحص البول المجهري في تحديد وتصنيف البول الدموي خصوصاً إذا ما ترابط مع وجود زلال (بروتين) أو صديد فيه وفي حال وجود اسطوانات دموية التي تؤكد وجود التهاب كبيبي في الكلى لا سيما إذا ما ترافق مع ظهور خلايا حمراء مشوهة في البول وإذا ما زاد معدل البروتين الموجود في البول خلال 24 ساعة على 500 مليجرام حسب توصية الجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية، ففي تلك الحالات يقتصر التشخيص على تلك النتائج ولا يحتاج إلى مزيد من التحاليل أو الفحوصات الاضافية ويحوّل المريض إلى طبيب الأمراض الكلوية للاستشارة والمتابعة خصوصاً إذا ما حصل ضعف كلوي مع ارتفاع معدل الكرياتينين في الدم وفرط الضغط الدموي.

وأما في الحالات الأخرى إذا لم يظهر تحليل البول المجهري تلك الآفات البولية وحسب عمر المريض ووجود عوامل تنذر بوجود آفات في الكلى أو المسالك البولية كالمذكور اعلاه فيتطلب ذلك تقييم كامل يشمل فحص البول للكشف المخبري عن الخلايا السرطانية وإجراء الأشعة الملونة اوالمقطعية بالصبغة على الكلى والمسالك البولية وتنظير المثانة تحت تبنيج موضعي في العيادة لاستبعاد أي ورم داخلها.

وقد اختلفت الآراء الطبية بالنسبة إلى وجوب تنظير المثانة بين المختصين الا ان لجنة التوصيات الطبية بالجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية والتناسلية أوصت بالقيام به عند جميع الأشخاص الذين تجاوزوا 40 سنة من العمر اوالذين هم أصغر سناً إذا ما كانوا معرضين للإصابة بآفات خطيرة حسب العوامل المذكورة سابقاً.

مابعد الفحوصات الاولية:

بالرغم من ذلك التقييم الشامل هنالك العديد من المرضى الذين لا يمكن اكتشاف سبب البول الدموي لديهم والذين قد يكونون مصابين بآفات كامنة لا يمكن اكتشافها إلا بعد شهور أو سنوات كاورام المثانة مثلاً مما يشدد على أهمية متابعة هؤلاء الأشخاص دورياً مع اجراء تحليل مجهري للبول والتحري عن الخلايا السرطانية فيه وقياس الضغط الدموي بعد 6 أشهر من الفحوصات الأولية وكل 12 شهر فيما بعد ولمدة 3 سنوات فضلاً عن ضرورة اعادة إجراء الأشعة المقطعية وتنظير المثانة إذا ما استمر البول الدموي المجهري أو اصبح البول الدموي مشاهدا أو في حال استمرار الأعراض البولية الالحاحية في غياب أي التهاب بولي. وأما في حال غياب تلك العلامات السريرية فيمكن تطمين المريض حول حالته والتوقف عند إجراء أية تحاليل أو فحوصات بعد 3 سنوات من المتابعة.

أ.د. صالح بن صالح

×