يعرف العقم على انه عدم القدرة على الحمل أو الإنجاب بعد مرور سنة على الزواج، على افتراض أن الزوجين يعيشان تحت سقف واحد خلال تلك الفترة, ويمارسان حياتهما الزوجية بصورة طبيعية دون استخدام موانع للحمل. وتشير الابحاث الى أنه بين كل (15) حالة زواج هناك حالة واحدة تقريبا لا يرزق فيها الزوجان بأطفال بسبب إحدى مشاكل العقم.
وتشكل العوامل العائدة للرجل ما نسبته 25% لوحده أو مايقارب 50% مجتمعا مع عوامل تعود للزوجة في أسباب تأخر الحمل.
وهنا أود الإشارة إلى انه يجب التفريق بين الضعف التناسلي المؤقت والذي يتم تجاوزه وحله بالعلاجات وبين الضعف التناسلي الدائم أو ما يسمى بالعقم وهو حالة مستمرة قد يقف الطب عاجزا عن علاجها ولكنها لا تشكل أكثر من 5% من حالات العقم عند الرجال بفضل الله ورحمته.
العقم عالميا في ارتفاع مستمر
تشير الكثير من الدراسات إلى أن معدلات العقم عند الجنسين في ارتفاع مستمر. وقد يكون لتغير النمط الغذائي والعوامل البيئية المحيطة بنا دور مهم في هذا الارتفاع. كما يمكن أن يكون السبب عائدا لتأخير الرغبة في الإنجاب لكثير من المتزوجين حديثا والتخطيط له بعد فترة من الزواج ومن المعلوم أن تقدم العمر يؤثر سلبا على معدل الخصوبة عند كلا الجنسين خاصة عند المرأة.
الأسباب الشائعة لتدني الخصوبة عند الرجال
أولا: الإصابة بدوالي الخصيتين وهو يشكل ما نسبته 35% من أسباب العقم الأولي (عدم الإنجاب نهائيا) ويصل إلى 80% في حالات العقم الثانوي (تأخر الإنجاب بعد انجاب سابق). وتكمن الإشكالية في الدوالي إلى تسببها في حدوث ارتجاع للدم المؤكسد الى الخصية مما يؤدي إلى رفع حرارتها ومن ثم تأثيره على إنتاج الحيامن وتتم معالجته بعملية جراحية بسيطة، بعدها يمكن ان تزيد كفاءة الحيوانات المنوية بعون الله وتوفيقه بنسبة 80% من الحالات وتزداد فرص حدوث الحمل بنسبة 50 إلى 60%.
ثانيا: العيوب الخلقية مثل الخصية المعلقة في الناحيتين أو عدم وجودهما من المنشأ.
ثالثا: التعرض للعلاج الإشعاعي والكيميائي بالنسبة لمرضى السرطان.
رابعا: التعرض لدرجات حرارة مرتفعة لفترة طويلة لأن ارتفاع درجة حرارة الخصية يؤثر على كفاءة الحيوانات المنوية وهذا يمكن أن يشاهد عند الإفراط في استعمال حمامات البخار أو الساونا وكذلك في مياه العيون الحارة (الكبريتية) التي تستخدم أحيانا للتشافي من بعض الأمراض، وقد افردنا صفحة خاصة للحديث عن التأثيرات السلبية للمياه الكبريتية الحارة في عيادة صحفية سابقة من جريدة الرياض يمكن للقارئ الكريم الرجوع اليها للمزيد من الفائدة.
خامسا: وجود صديد في السائل المنوي وهو سبب نادر الحدوث حيث لا تتعدى نسبة وجوده بين الرجال المصابين بالعقم ل 1% فقط، وهو عائد في الأغلب لالتهابات المسالك البولية وخاصة غدة البروستات.
سادسا: الخلل الهرموني يعد أيضا من أسباب حدوث العقم عند الرجال، مثل ارتفاع هرمون الحليب عند الرجل أو انخفاض هرمونات الغدة النخامية، ويقاس عليه ارتفاع الهرمونات المؤنثة عند الرجل نتيجة للسمنة أو تناول أغذية معالجة بالهرمونات المؤنثة بغرض التسمين مثل الدواجن المعالجة. هنا تجدر الإشارة إلى أن الأسباب الهرمونية ما إن تتم معالجتها تزداد فرص حدوث الحمل بنسبة كبيرة للغاية بحول الله وقوته.
سابعا- انسداد القنوات المنوية ويمثل حوالي 13% من حالات العقم عند الرجال، وتتم عمل عدة فحوصات لتحديد مكان الانسداد ومن ثم تحديد طريقة علاجه والتي تعمل وبنجاح كبير إذا ماأجريت على يد متخصص في الجراحات المجهرية.
ما هي الطرق الحديثة لعلاج العقم عند الرجل؟
حدث في السنوات الأخيرة الكثير من الإنجازات الطبية في علاج العقم عند الرجال وأصبح من الممكن علاج أغلب الحالات التي كانت تعتبر ميئوسا منها بفضل الله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً. ومن أبرز التقنيات الحديثة التالي:
الأولى: تقنية العلاج الجراحي المجهري:
أصبح بالإمكان إجراء معظم العمليات الجراحية المتعلقة بعقم الرجال بالمجهر (الميكروسكوب) مما أدى إلى زيادة فاعلية العملية، وكذلك ساهم في التقليل من المضاعفات الجانبية التي قد تحدث. هنا تجدر الإشارة إلى أن استخدام الميكروسكوب الجراحي يتطلب توافر الخبرة المهنية والتدريب المكثف حتى تتحقق فوائده المرجوة.
أمثلة على العمليات
- ربط دوالي الحبل المنوي بالميكروسكوب: دوالي الحبل المنوي للتذكير تعتبر أكثر عملية تمارس لعلاج العقم الذكوري على مستوى العالم، وتعتبر تقنية الميكروسكوب الجراحي أحدث طريقة أدخلت حديثاً لعلاج دوالي الحبل المنوي، والربط بطريقة الميكروسكوب أثبتت فعاليتها مقارنة بالطرق التقليدية الأخرى بما فيها الربط بالمنظار، حيث إن معدل رجوع الدوالي (الانتكاسة) في حدود 1% ونسبة المضاعفات أقل من 5%، كما أن الشق الجراحي صغير في حدود 2 سم.
- استخراج الحيوانات المنوية من البربخ أو الخصية بالميكروسكوب:
(Micro TESE/ MESA)
وهذه أحدث عملية للبحث عن الحيوانات المنوية في الحالات التي لم تجد فيها الطرق الأولية في الحصول على حيوانات منوية مثل إعطاء العينة ورشف الخصية بالإبرة أو أخذ خزعة تقليدية من البربخ أو الخصية.
وهي عملية دقيقة تحتاج إلى خبرة عالية وتجري فقط في مراكز العقم المتقدمة في العالم.
وتستغرق العملية ما بين 2-3 ساعات وتحتاج إلى تخدير عام وتتلخص طريقة هذه العملية بالمسح الدقيق للخصية عن أي منطقة يكون فيها إنتاج للنطف حتى ولو بكمية قليلة وذلك باستخدام جهاز الميكروسكوب الجراحي وهذا يختلف عن أخذ العينة من الخصية بالطريقة التقليدية لدقتها ولأنها لا تتسبب في أضرار جانبية على أنسجة الخصية على المدى البعيد، وتكون النتائج إيجابية حتى في حالات الضمور أو الفشل التام في الخصية و بنسبة تصل إلى 40%.
وتمكن هذه الطريقة من تجميد الفائض من النطف المستخلصة لسنين عديدة واستخدامها فيما بعد للحقن المجهري.
- حالات الترميم للمسالك التناسلية وعلاج انسداد القنوات المنوية بالميكروسكوب:
وهذه تعتبر من أصعب العمليات المجهرية، حيث إن قطر القنوات المنوية قد يصل إلى أقل من قطر شعرة الرأس مما يستدعي استخدام خيوط جراحية وأدوات ترميمية غاية في الصغر.
هذه العمليات تجرى لحالات الغياب الكامل للحيوانات المنوية من السائل المنوي نتيجة انسداد هذه القنوات بفعل التهابات أو عمليات سابقة في المسالك البولية وغيرها مثل عمليات إصلاح الفتق الاربي.
تصل نسبة نجاح هذه العمليات في إعادة خروج الحيوانات المنوية في السائل المنوي إذا تمت على يد متخصص في الجراحة المجهرية إلى 95% بعد عون الله وتوفيقه واعتمادا على مكان الانسداد ومدته.
ثانياً: تقنية الحقن المجهري للحيوانات المنوية مباشرة: (ICSI)
وتقوم هذه التقنية على حقن الحيوانات المنوية في البويضة مباشرة.
ولا بد لها من ناحية الرجل من وجود الحيوانات المنوية المكتملة النمو والتي عادة ما يتم الحصول عليها من الخصية أو البربخ في حالات عدم القدرة على الاستمناء المباشر.
وعالميا تقدر نسبة نجاح مثل هذه التقنية عند توفر الأجواء المناسبة مثل عمر الزوجة إلى ما يقارب 30-50%.
ثالثاً: حقن الحيامن ذات الرأس المدورة أو المستطيل:(Spermatid)
الحيامن ذات الرأس المدور أوالمستطيل هي عبارة عن حيوانات منوية في المرحلة الأخيرة لما قبل النمو الكامل.
وهذه التقنية رغم نتائجها الضعيفة إلا أنها قد نتجت عن ولادة مواليد باستخدامها خاصة الحيامن المستطيلة وأصبحت تمارس في الكثير من المراكز الطبية.
رابعاً: تقنيات متطورة قيد الأبحاث:
من أهم التقنيات التي تدرس حديثا ولها زخم علمي كبير هو تنمية وزرع الخلايا الجذعية للإنسان ثم تحويلها إلى خلايا متخصصة مثل الكبد أو الكلى أو القلب مما يعني ترميم أعضاء تالفة في جسم الإنسان.
هذه التقنية والتي أثبتت نجاحها على مستوى التجارب المخبرية لن يكون بمستغرب أن تساعد في علاج حالات عقم الرجال الذين ليس لديهم حيوانات منوية أو النساء اللاتي ليس لديهن بويضات في المستقبل القريب بحول الله وقوته، ولمزيد من التحقيق حول هذه التقنية سنتطرق في العيادة الصحفية القادمة بمشيئة الله للحديث عن اخر ما توصل اليه العلم الحديث في مجال علاج العقم بالخلايا الجذعية.
كما تجدر الإشارة إلى أن مراكز البحث الكبرى في العالم تدرس حاليا إمكانية استخدام الجينات والتعديل الوراثي في علاج حالات العقم المتقدمة كما يتم حاليا دراسة إمكانية تطوير الحيوانات المنوية غير المكتملة النمو إلى حيامن بالغة خارج الجسم ومن ثم استخدامها في الحقن المجهري.
أ.د. صالح بن صالح