دوالي الخصية حالة شائعة بين الشباب، تبدأ عادة بأعراض بسيطة مثل الإحساس بالثقل أو الألم الخفيف في الخصية، خاصة بعد الوقوف لفترات طويلة أو ممارسة التمارين الرياضية. قد يلاحظ المصاب أيضاً انتفاخاً أو شعوراً غير مريح في منطقة الصفن. ورغم أن كثيرين يهملون هذه الأعراض ويعتبرونها مؤقتة، فإنها قد تكون مؤشراً على وجود مشكلة تحتاج إلى متابعة.
دوالي الخصية تحدث نتيجة توسع الأوردة المحيطة بالخصية، وتثير قلقاً عند الشباب بسبب ارتباطها المحتمل بضعف الخصوبة. المقال يوضح بشكل مبسط ماهية دوالي الخصية، أسبابها، الأعراض التي تستدعي مراجعة الطبيب، والحالات التي يمكن التعايش معها دون الحاجة إلى تدخل فوري.
إذًا، ما هي دوالي الخصية تحديدًا؟ كيف يمكننا فهمها ببساطة؟
بأبسط تعبير، يمكننا أن نصف دوالي الخصية بأنها توسع غير طبيعي يحدث في الأوردة الصغيرة الموجودة داخل كيس الصفن، وهي الأوردة المسؤولة عن حمل الدم من الخصيتين وإعادته إلى القلب. تخيل الأمر وكأنه ظهور “دوالي الساقين” التي قد تراها لدى بعض الأشخاص، ولكن هذه المرة تحدث في منطقة كيس الصفن. عندما تتضخم هذه الأوردة وتصبح متعرجة وملتوية، فإنها قد تؤدي إلى تباطؤ أو حتى ركود في تدفق الدم داخل الخصية، وهذا بدوره قد يؤثر على وظيفة الخصية نفسها بمرور الوقت.
ولكن، لماذا تحدث دوالي الخصية؟ ما الذي يجعل هذه الأوردة تتوسع بشكل غير طبيعي في المقام الأول؟
دوالي الخصية تحدث بسبب خلل في صمامات الأوردة التي تعيد الدم من الخصيتين إلى القلب. هذه الصمامات تعمل عادة باتجاه واحد، لكن عند ضعفها يتجمع الدم ويرتد للأسفل، مما يرفع الضغط داخل الأوردة ويجعلها تتوسع تدريجياً لتظهر على شكل دوالي.
لماذا في الجهة اليسرى أكثر؟
السبب يعود لاختلاف مسار الأوردة:
- الوريد الأيسر يتصل بالوريد الكلوي بزاوية قائمة، ما يعيق تدفق الدم ويزيد احتمالية ارتداده.
- الوريد الأيمن يتصل مباشرة بالوريد الأجوف السفلي بزاوية أكثر سلاسة، مما يقلل من فرص حدوث دوالي.
من هم الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بدوالي الخصية؟ هل هناك عوامل خطر تزيد من الاحتمالية؟
على الرغم من أن دوالي الخصية يمكن أن تحدث لأي رجل في أي عمر، إلا أن هناك بعض الفئات التي تعتبر أكثر عرضة للإصابة بها، وقد يكون لديهم بعض عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية ظهورها، ومن بين هؤلاء:
- المراهقون والشباب (15–25 سنة) بسبب النمو السريع والتغيرات الهرمونية.
- من يقفون لفترات طويلة يومياً، حيث تؤثر الجاذبية على تدفق الدم.
- من يمارسون أنشطة بدنية عنيفة أو يرفعون أوزاناً ثقيلة بانتظام.
- من لديهم تاريخ عائلي بدوالي الخصية (عامل وراثي).
كيف يشعر الشخص الذي يعاني من دوالي الخصية؟ ما هي الأعراض التي قد يلاحظها؟
من المهم أن نعرف أن ليست كل حالات دوالي الخصية تسبب أعراضًا واضحة. في الواقع، كثير من الرجال يكتشفون وجود الدوالي لديهم صدفة أثناء إجراء فحوصات روتينية أو فحوصات متعلقة بالخصوبة دون أن يكونوا قد شعروا بأي أعراض من قبل. ولكن عندما تظهر الأعراض، فإنها قد تتفاوت في شدتها من شخص لآخر، وقد تشمل:
- شعور بثقل أو شد في كيس الصفن، خاصة بعد الوقوف لفترة طويلة خلال اليوم أو بعد ممارسة التمارين الرياضية المجهدة. هذا الشعور غالبًا ما يخف أو يزول عند الاستلقاء.
- ألم خفيف ومبهم في الخصية، والذي قد يكون متقطعًا أو مستمرًا، وقد يزداد حدة مع المجهود البدني أو الوقوف لفترات طويلة ويتحسن عند الاستلقاء.
- ملاحظة انتفاخ بسيط أو تضخم في الأوردة الموجودة في كيس الصفن، والذي قد يعطي مظهرًا يشبه “كيس الديدان” عند تطور الحالة وتقدمها.
- في بعض الحالات، قد يلاحظ الشخص صغر حجم إحدى الخصيتين مقارنة بالخصية الأخرى، خاصة إذا بدأت الدوالي في سن مبكرة وأثرت على نمو الخصية.
كيف يتم تشخيص دوالي الخصية؟ ما هي الفحوصات التي قد يجريها الطبيب؟
الفحص السريري:
- يفحص الطبيب الخصيتين وكيس الصفن أثناء وقوف المريض.
- قد يطلب من المريض السعال أو حبس النفس والضغط (مناورة فالسالفا) لإظهار الدوالي بشكل أوضح.
الفحوصات التصويرية:
- الموجات فوق الصوتية (السونار) مع دوبلر ملون: يستخدم لتصوير الأوردة وتقييم حجمها وشكلها، وقياس تدفق الدم لتأكيد وجود الدوالي وتحديد شدتها.
هل دوالي الخصية يمكن أن تؤثر على الخصوبة؟ هذا هو السؤال الذي يقلق الكثير من الرجال.
الإجابة على هذا السؤال هي: ليس دائمًا. على الرغم من أنها شائعة نسبياً بين الرجال الذين يعانون من تأخر الإنجاب (حوالي 40% منهم لديهم دوالي خصية)، إلا أنها ليست دائمًا السبب الوحيد أو الرئيسي وراء مشاكل الخصوبة.
تؤثر دوالي الخصية على الخصوبة من خلال عدة آليات محتملة، بما في ذلك:
- رفع درجة حرارة الخصية: التدفق غير الطبيعي للدم قد يؤدي إلى ارتفاع طفيف في درجة حرارة الخصية، وهو أمر غير مثالي لإنتاج الحيوانات المنوية السليمة، حيث أن الخصيتين تحتاجان إلى درجة حرارة أقل قليلاً من درجة حرارة الجسم لإنتاج الحيوانات المنوية بكفاءة.
- تقليل تدفق الدم الغني بالأكسجين والمغذيات إلى الخصية: ركود الدم قد يقلل من وصول الأكسجين والمغذيات الضرورية لوظيفة الخصية وإنتاج الحيوانات المنوية.
- التأثير على إنتاج الحيوانات المنوية وجودتها: قد تؤدي التغيرات في درجة الحرارة وتدفق الدم إلى انخفاض في عدد الحيوانات المنوية أو ضعف في حركتها أو تشوه في شكلها.
لكن من المهم أن نؤكد أن بعض الرجال لديهم دوالي الخصية من الدرجة العالية (أي أنها كبيرة وواضحة) ولا يعانون من أي مشاكل في الإنجاب، بينما قد يعاني رجال آخرون لديهم دوالي من درجة أقل من مشاكل في الخصوبة. لذا، وجود دوالي الخصية لا يعني بالضرورة العقم.
إذًا، متى يحتاج الرجل المصاب بدوالي الخصية إلى علاج؟ ما هي المؤشرات التي تستدعي التدخل الطبي؟
ليست كل حالات دوالي الخصية تتطلب تدخلًا علاجيًا. غالبًا ما يتم التوصية بالعلاج في الحالات التالية:
- وجود ألم مستمر في الخصية يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية ويحد من الأنشطة الطبيعية.
- ملاحظة تغير واضح في حجم الخصية أو شكلها، مثل صغر حجم الخصية المصابة مقارنة بالخصية الأخرى (ضمور الخصية).
- وجود تأخر في الإنجاب لدى الزوجين، مع وجود نتائج غير طبيعية في تحليل السائل المنوي للرجل، حيث قد يكون علاج الدوالي خيارًا لتحسين جودة الحيوانات المنوية.
- وجود صغر في حجم الخصية لدى المراهقين، حيث قد يشير ذلك إلى تأثير الدوالي على نمو الخصية.
ما هي الخيارات العلاجية المتاحة؟
هناك عدة طرق لعلاج دوالي الخصية، ويتم اختيار الطريقة المناسبة بناءً على حالة المريض وشدة الدوالي والأعراض المصاحبة وتفضيلات المريض وتوصيات الطبيب المختص. تشمل الخيارات العلاجية:
- المتابعة والمراقبة الدورية:
في الحالات البسيطة التي لا تسبب أعراضًا مزعجة ولا تؤثر على حجم الخصية أو نتائج تحليل السائل المنوي (إذا تم إجراؤه)، قد يوصي الطبيب بالمتابعة الدورية وإجراء فحوصات منتظمة وتحاليل للسائل المنوي كل فترة لتقييم أي تغيرات قد تحدث.
- العلاج الجراحي:
هناك عدة تقنيات جراحية لإصلاح دوالي الخصية، والهدف منها هو ربط أو إغلاق الأوردة المتوسعة لتحسين تدفق الدم في الخصية. تشمل الطرق الجراحية:
- الربط المجهري (Microsurgical Varicocelectomy): تعتبر هذه الطريقة الأدق والأكثر أمانًا، حيث يتم إجراء شق جراحي صغير في منطقة الفخذ أو أعلى كيس الصفن، ويستخدم الجراح مجهرًا جراحيًا عالي التكبير لتحديد الأوردة المتوسعة وربطها بدقة مع الحفاظ على الشريان الرئيسي والأوعية اللمفاوية.
- الربط التقليدي (Open Varicocelectomy): يتم إجراء شق جراحي أكبر نسبيًا بدون استخدام المجهر لربط الأوردة المتوسعة.
- الربط بالمنظار (Laparoscopic Varicocelectomy): يتم إجراء عدة شقوق صغيرة في البطن وإدخال أدوات جراحية وكاميرا صغيرة (منظار) لربط الأوردة المتوسعة من داخل البطن.
- الانصمام (Embolization):
إجراء الانصمام لدوالي الخصية يتم عبر أخصائي الأشعة التداخلية، حيث تُدخل قسطرة رفيعة من وريد في منطقة الفخذ ويتم توجيهها بالأشعة السينية نحو الأوردة المتضخمة، ثم تُحقن مادة خاصة أو توضع ملفات صغيرة لسد هذه الأوردة ووقف تدفق الدم غير الطبيعي فيها. يهدف هذا الإجراء إلى تحسين الدورة الدموية في الخصية وتخفيف الأعراض، كما قد يساهم في تحسين جودة الحيوانات المنوية وعلاج بعض حالات تأخر الإنجاب المرتبطة بدوالي الخصية.
ما بعد جراحة دوالي الخصية:
- العودة للحياة الطبيعية غالباً خلال أسبوع.
- ألم أو تورم خفيف لعدة أيام.
- تجنب الرياضة العنيفة ورفع الأثقال لمدة 2–3 أسابيع.
- لإصلاح العقم: يعاد فحص السائل المنوي بعد 3 أشهر لتقييم التحسن.
في الختام، تبقى دوالي الخصية من المشكلات الشائعة بين الرجال وخاصة في مرحلة الشباب، ومع أنها ليست خطيرة في جميع الحالات، إلا أن إهمالها قد يؤثر سلبًا على الخصوبة وجودة الحياة. الفحص المبكر والمتابعة مع الطبيب المختص يساهمان في التشخيص الدقيق وتحديد ما إذا كانت الحالة تحتاج إلى تدخل جراحي أو يمكن الاكتفاء بالعلاج والمتابعة. تذكر أن الانتباه لأي تغيرات أو أعراض مثل الألم أو الانتفاخ في الخصية هو الخطوة الأولى للحفاظ على صحتك الإنجابية والعامة. صحتك مسؤوليتك، والوعي هو المفتاح للعلاج الناجح.